هي ميدالية برونزية وتاريخية، يذهب منتخبان عربيان بحثاً عنها في النهائي الصغير لمسابقة كرة القدم الأولمبية، اليوم باستاد لابوجوار في مدينة نانت الفرنسية، صحيح أنها ستكون لأحدهما فقط، لكن ذاكرة كرة القدم العربية، وذاكرة الأولمبياد لن تسقط منها سريعاً صورة منتخبي المغرب ومصر، وهما يصلان معاً للمربع الذهبي، ليكونا بين أفضل أربعة منتخبات عالمية في الفئة الأولمبية.
المنتخبان معاً تصدرا مجموعتهما، وما راهن عليهما أحد، منتخب المغرب، الذي تصدر مجموعة كان فيها المنتخب الأولمبي الأرجنتيني الذي جاء إلى باريس يقتفي أثر منتخب التانجو المتوج في أقل من عامين بطلاً للعالم، وبطلاً لكوبا أميركا، ومنتخب مصر الذي أجهز على منتخب إسبانيا الأولمبي المتحفز بلقب لاروخا في بطولة أوروبا للأمم.
والمنتخبان معاً عبرا إلى مربع الأقوياء، بعد أن تخلص أحدهما من منتخب أميركي لاتيني باراجواياني، وأرعب ثانيهما منتخباً من أميركا الشمالية بحصة تفيد التفوق الذي لا تطاله ذرة شك واحدة.
والمنتخبان معاً جاءا إلى باريس، كلٌّ يشكو من تضاد الأقدار، ومن وجع الأسفار، فقد ولدت قائمة المغرب الأولمبية من رحم المعاناة، بحكم اللاءات التي رفعها عدد من الأندية الأوروبية في وجوه لاعبين وازنين داخل الأولمبي المغربي، وكان لابد وأن يتشكل هذا الجيل الذي أبهر الناس كلهم في بيئة موجوعة، وكذلك كان الأمر بالنسبة لمنتخب مصر الذي واجه تشكيكاً كبيراً، جعله لا يحظى بالأولوية، ولا بظروف التحضير التي تناسب قيمة البطولة.
والمنتخبان معاً، قدما ما كنت أذهب إليه من أن شقائق النعمان تولد من العتمة، وأن نور الحقيقة الجميلة يطلع من نار الشك، وقد ألهم كل من المغرب ومصر أجيال اليوم بمسار التحدي، الذي أسقط وهم الفوارق، وكرر تلك الحقيقة التي لا تغيب عن كوكب كرة القدم، الميدان سيد الرهان.
كنا نحلم بنهائي عربي خالص بين المغرب ومصر يحدث زلزالاً عنيفاً في الأولمبياد الباريسي، ولكن عدم حسمنا بعض الجزئيات الصغيرة، لعدم ترددنا على النهايات الكبرى، جعل منتخب المغرب يسقط في فخ الماتادور، وجعل مصر تنهار بنقص عددي أمام ديكة فرنسا.
واليوم عندما، ننتهي من مشاهدة الديربي العربي المكرر، والنهائي الأفريقي بطبعته الأولمبية، بين أولمبي المغرب وأولمبي مصر، باستاد لابوجوار، سنعرف مَن مِن المنتخبين سيدخل التاريخ الأولمبي بإحراز الميدالية البرونزية، لكنهما معاً يستحقان قبلة وإشادة ورفع القبعة، لأنهما جددا ضوء الحلم الذي خبا في دروب الشباب العربي، وأن الإرادة الجماعية والإصرار على صعود الجبال بلا تهيب، يمكن أن يعوضا عن كل المعاناة التي تعتري مرحلة الإعداد لأي بطولة حتى لو كانت في كونية الألعاب الأولمبية.