هذا الألم الذي يأكل فقرات ظهري لا أدري ما كنهه. يتوغل إلى أعماق ذاتي يتآكلها بمرارة. لكن أين هي ذاتي؟ إنني لا أحسها. كيف يمكن أن تحس. أشعر بأني أعوم في شيء لا متناهٍ. شيء لا يشدني إلى شيء أبداً. هكذا: لا قرار، لا ارتفاع، لا انخفاض، لا هبوط، لا صعود!
أعوم فقط وحول نفسي، إلا أن هذا اللامحدود الذي أعوم فيه لديه مهارة فقط على قرضي. أشعر بهذا بكل تأكيد، وإلا فماذا فعلت تلك السنون المنصرمة؟ ماذا أعطتني وماذا أعطيتها؟! لا شيء، لا أظن أنها أكسبتني شيئاً، ولماذا أظن؟ هذا أمر فعلي، لم أكتسب سوى مرارة، سوى إحساس بنقص الواقع وذبول الماضي ولا مرئية المستقبل.. المستقبل؟ هذه الكلمة لا تحتوي على ما يقصده الناس، بالتأكيد لا.. وإلا فما هو المستقبل.. هل هو بعد ساعة، بعد دقيقة، بعد يوم، بعد شهر، أم بعد سنوات؟ كل هذا غيبية لا تدخل ضمن مفاهيم الواقع أو الوعي الآني. والوعي الآني يصحبه هذا الإحساس الآني فقط. وهو آني تماماً، فبعد دقائق أو ساعات أكون قد انتقلت إلى حالة أخرى وتنبت في ذهني أمور أخرى أعيها، ثم يصاحب الوعي ذلك الإحساس المتصل به. وكلاهما آني مرتبط بالآخر ومنفصل تماماً عما كان وما سيكون. وما سيكون أيضاً مجموعة الإدراكات الآنية والأحاسيس الآنية.. وما النتيجة؟ ما زلت أعوم في الألم ولن أجد حلاً خلال الساعات أو الأيام المقبلة كمغناطيس تشدني إلى شيء فأفقد الإحساس بالعوم. لا أعتقد أن هذا سيحدث. كل ما حدث سابقاً زاد في استمراري في هذا العوم. يكثف هذا الشيء غير المفهوم الذي أعوم فيه أحياناً فينتابني إحساس بأن هذه الكثافة ستزداد وستتحول إلى شيء ملموس وربما مرئي، وتفرض كثافتها على ما يشدني بذلك إليها، إلا أن هذا لا يحدث، إذ إن ما يحدث بالفعل هو أن هذا الألم يزداد سيولة، وربما بلغت فيه حداً أشعر معه أنني لست شيئاً يعوم في شيء، بل أشياء مجزأة منفصلة تعوم بحرية جنونية غير واعية. هذا ما أتساءل عنه، ولا يبدو أنني سأصل إلى شيء ما طالما أنني ما زلت أعوم.
غالباً ما أتساءل: ما الذي كان يدفعني للالتزام بأموري؟ من أين يتأتى هذا الإحساس الذي أقرر فيه بإلزامية شيء ما وأبدو مشدودة إليه؟ كيف كان يحدث هذا الإحساس الذي لا أشعر به أنا الآن؟