ولا أحد بيننا توقع أن ينهي المنتخبان المغربي والمصري دور المجموعات، لمسابقة كرة القدم الأولمبية، وهما معاً يتأهلان إلى ربع النهائي متصدرين لمجموعتيهما، وتاركين الوصافة للمنتخبين الأرجنتيني والإسباني، الأول سليل بطل العالم وكوبا أميركا، والثاني يستمد روحه ونزقه من منتخب «لاروخا» المُتوج حديثاً بطلاً لأوروبا.
هي الأرقام والمؤشرات والمعطيات التي قالت ذلك، صحيح أنها لم تقل باستحالة أن يحدث العكس، إلا أن في نمطية التوقعات، كلما تواجدت منتخبات من هذا العيار الناسف، إلى جانب منتخباتنا العربية، أن اليقين بوجود فوارق كبيرة يسحق كل شك في حدوث عكس المتوقع.
كثيرة هي المرات التي طالبت فيها منتخباتنا وأنديتنا العربية بتكسير حاجز الاستحالة الذي ينتصب ليس بدافع الفوارق، ولكن بعقدة أنشأناها بداخلنا، ولم نتمكن من اقتلاعها، عقدة أننا لا نقدر أنفسنا وممكناتنا حق قدرها.
قدر للمنتخب الأولمبي المغربي القادم إلى باريس منقوصاً من عدد من أفضل لاعبيه، وقد رفضت أنديتهم الأوروبية تسريحهم، أن يقع في مجموعة الأرجنتين، بل وأن تكون مباراته الافتتاحية في الأولمبياد أمام «راقصي التانجو»، وهنا كان الحد الفاصل بين العقدة والأسطورة، عقدة أننا لا نستطيع أن نكون مثلهم، وأسطورة أن الفوز عليهم من سابع المستحيلات، وقد كذبت وقائع المباراة ذلك، والمنتخب المغربي يسيطر على مباراته بالطول والعرض وينهيها منتصراً، ليقول الكل، تلك كانت من أكبر مفاجآت البطولة.
عندما تعادل منتخب مصر سلباً أمام الدومينيكان، أسمعوه من النقد والجلد ما لا يطاق، وكأنه ارتكب خطيئة العمر، بينما الحقيقة أنها كانت مجرد بداية، وليست كل بداية دالة على النهاية، والخواتم كانت تحفة كروية جميلة، ومنتخب مصر يهزم إسبانيا، ويحولها على حد تعبير صحافتها إلى «مومياء». ما نطق شيء مما ألفنا سماعه في تغريدات المنتخب الإسباني، لأن مصر أجادت بالأسلوب الذي لم يجهض «التيكي تاكا» فحسب، بل إنها شيدت هرم الخلود، فكان الوصول إلى النقطة السابعة التي تعطي الصدارة لمنتخب مصر، ولا عزاء للمشككين والمحبطين للهمم.
وكان منتخب المغرب الذي يلعب كرة متفردة بأسلوبها اللاتيني، بحاجة، وهو يقابل العراق في ثالث جولة، لأن يصحح أخطاءه ويكف عن هلوساته في مباراة أوكرانيا، لطالما أن الهزيمة أقفلت كل باب للمناورة، لذلك كان في مباراة شقيقه العراقي الفريق الكاسر للمنظومات الدفاعية. بثلاثية من جولة واحدة، نجح المغرب في التعبير عن نفسه في مباراة العراق بطريقة مثيرة للإعجاب، لينجح هو الآخر في بلوغ ربع النهائي متصدراً للمجموعة.
ومن يدعي أن محطة ربع النهائي في السفر الأولمبي الجميل لمنتخبي المغرب ومصر وهما يقابلان على التوالي أميركا وباراجواي، لا تماثل في الثقل ولا في الصعوبة مواجهة الأرجنتين وإسبانيا، فهو بالتأكيد لم يفهم الطبيعة المعذبة والساخرة لكرة القدم.