تعودت كلما شعرت بالملل أدخل غرفة مكتبتي وأقرأ عناوين الكتب وأختار منها ما يثير انتباهي ورغبتي في قراءتها، فاخترت كتاب «مديح الظل» للكاتب الياباني «جونشيرو تانيزاكي» وبعد ما استغرقت في قراءته، تذكرت أن علينا نحن الكتاب أن ندون كل تجاربنا في الحياة، لا تلك التي تخص الأدب أو الإبداع وحده، بل كل ما نمر به في مسيرة العمر.
إن تجاربنا الشخصية وملاحظاتنا عبر سيرورة أيامنا وأحداثها صغيرة كانت أم كبيرة، وكل التفاصيل الدقيقة لوجودنا، أذواقنا وما يتعارض معها ويتفق، وما يبدع تصوراتنا البديلة حول ما نشاهد ونستشعر ونرفض ونقبل، ثمينة وغنية يجدر بنا أن ندونها، أما لأنها تعبير عن شخوصنا ومواقفنا ورؤانا وحضورنا في الحياة، وإما لأننا نقصد بها تقديم حكمة ما أو أثر قد يكون له مثل هذا الأثر الذي تركه في نفسي هذا الكتاب.
ثمة بشر يحتاجون إلى من يدلهم على ما لديهم من غنى، مثل ما فعل هذا الكتاب بالنسبة لي، لقد تغيرت نظرتي إلى ما حولي، إلى الضوء والظل والمكان والروح وعاداتنا في المعيش اليومي ووسائل حياتنا والتفاصيل التي نؤثث بها هذه الحياة، نحن أيضاً لدينا مخزون ثري من أساليب العيش ووسائل المعيشة وعاداتها وطرقاتها ومفاهيمها وحكمتها، لدينا تراثنا ومبتكراتنا وطرقنا وقيمنا التي تنتجها هذه الوسائل، إنها خصوصيتنا كشعب خليجي عربي، وذائقتنا التي تتفق مع رغباتنا، ولدينا أساليب عيشنا التي تريحنا وتخلق حولنا أجواءً من الراحة والمتعة والجمال.
إننا نفتقد الكثير من جوهر حياتنا بعدم انتباهنا لما يحيط بهذه الحياة وما يؤثث وجودنا فيها، الفرد منّا يعتقد أنه يقضي رحلة العمر بقدر ما يأخذ ويعطي، وقد لا يدرك أن ما يحيط به وما يستخدمه من لباس وطعام ومسكن وبيئة إنما هي ضرورات يتعاطاها بعفوية، لكن الحقيقة أن كل ما نبتكره ونستخدمه كضرورة لاستمرار عيشنا هو وجود يترافق بحميمية مع وجودنا، إن ما نشمه ونتذوقه ونراه هو جزيئات وجودنا، ومن هذه الحزيئات تتألف حياتنا الفردية، أي ثراء ستكتنز به أرواحنا وأيامنا حين تصبح هذه الجزيئات منتقاة ومختارة بإرادتنا وأذواقنا ومنظورنا الجمالي، وانعكاساً لفلسفتنا وحكمتنا ورغباتنا الدفينة.. مثلاً، أن نختار المقعد الذي يريحنا، والزاوية التي نجلس فيها، والسرير والنباتات، وكل ما يحيط بنا، ولسنا فرديين ومنعزلين حين نعيش تفاصيل حياتنا وفق رغباتنا الفردية، بل نحن نقدس الحياة بكل تجلياتها الجميلة، ولسنا نسعى لمجرد الاختلاف، بل من أجل أن نكون أكثر صدقاً ووفاءً لذواتنا وثراء أرواحنا الحقيقية.!