كرة القدم تبدأ في الملعب، لكنها لا تنتهي فيه، ما تهبه هذه اللعبة للناس أعظم بكثيرٍ مما تهبه للمتعة، ولنشوة القفز فرحاً، وللأهازيج التي ترقص في حناجر الفائزين.
هي أكبر من الحصول على ثلاث نقاط ستضيع لاحقاً في مخازن الذاكرة، أو بطولة ستهدأ بهجتها بعد حين.
الأميركي جيوفاني رينا (لاعب وسط درتموند الألماني) يتمنى أن يلعب يوماً ضد الأرجنتيني سيرجيو أجويرو، ليقول له: شكراً، وليحدثه عن اللحظة المضيئة في حياته، اللحظة التي كانت معتمة حتى جاء هو وأضاءها «عام 2010، في فصل الصيف، أبلغنا الأطباء أن أخي جاك مصاب بسرطان الدماغ، كان عمره 11 سنة، وكانت فرصته في النجاة ضعيفة جداً، وفي مايو 2012 عندما كان يبلغ من العمر 13 سنة، اجتمعنا في غرفة المعيشة لمشاهدة اليوم الحاسم في الدوري الإنجليزي، كان مانشستر سيتي يخوض القتال الأخير أمام كوينز بارك رينجرز على أرضه، أملاً في الفوز بلقب الدوري بعد 44 عاماً عجاف، أو أن يتركه لخصمه وخصمنا اللدود مانشستر يونايتد الذي كان يلعب في الوقت نفسه، وفي غرفة جلوسنا لم يعد أحد يبتسم، شعرت بالسوء تجاه جاك، كان مريضاً جداً في ذلك الوقت لدرجة أنه لم يستطع المشي أو التحدث، الآن لن يرى مانشستر سيتي يفوز بالدوري أيضاً».
يكمل جيوفاني سرد القصة: «في الوقت المحتسب بدل الضائع والمقدر بدقيقتين، أدرك إدين دزيكو التعادل، أعطانا ذلك بعض الأمل، على الرغم من أن المباراة كانت على وشك الانتهاء، وبعد دقيقتين سجل أجويرو هدف الفوز، لقد جن جنوننا، كنا نقفز، ونصيح، ونحتفل، ونتعانق، نظرنا إلى بعضنا بعضاً في لحظة من عدم التصديق، فجأة سمعنا شخصاً يلهث بحثاً عن الهواء، كان هذا الشخص هو أخي جاك، كان يتدحرج على الأرض، لأنه بالكاد كانت لديه أي طاقة متبقية في جسده، لمدة 20 ثانية بدا وكأنه لا يستطيع التنفس، ثم ببطء ابتسم، وبدأ يضحك، أدركنا أنه كان يحتفل بالهدف، لقد كان سعيداً مثلنا تماماً، لقد كان مذهلاً، ومضحكاً، ومجنوناً».
بعد 9 أسابيع من هذه البهجة التي وهبتها له كرة القدم، توفي جاك، وبقي أجويرو في ذاكرة العائلة كلها؛ لأنه منحهم القوة حين كانوا على حافة الحزن والضعف.
في مقدمة كتابه «أنا دييجو الناس» نشر مارادونا رسالة كتبتها له سيدة أرجنتينية، تشرح فيها معنى كرة القدم الذي لا ينتهي في الملعب: «لم أشاهد زوجي يبكي في حياته سوى 3 مرات، الأولى: عندما أنجبتُ ابني ناتشو، والثانية: عندما سجلت الهدف الثاني على إنجلترا، والثالثة: عندما استُبعدت من كأس العالم 1994 بسبب المنشطات، لم يبكِ لأجلي، لكنه بكى لأجلك مرتين، أعترف أنك أثرت غضبي مرات عدة بغرورك، وقذارة لسانك، وأعترف أيضاً أنني لا أفهم كثيراً في كرة القدم ولا أريد أن أفهم، لكنّ هناك أموراً تجعلني أصلّي من أجلك كل مساء، أدخلت الفرحة إلى قلوبنا، عمّت الفوضى في البلاد، وكنّا نجوع أكثر من أي وقت مضى، كان الشتاء قاسياً ومريباً، لكن الفوز بكأس العالم كان هدية من السماء خففت عنا المعاناة، وكنتَ أنت السبب في منح عائلتي هذه الفرحة.. لقد منحت بوجودك في الحياة شعباً حزيناً بعض السعادة، فلماذا لا أبكي وأصلّي لأجلك؟!».
كرة القدم تبدأ في الملعب، لكنها لا تنتهي فيه.. كرة القدم هي قوة الناس في أشد حالاتهم ضعفاً، وهي أملهم حين يأكل الفقر والمرض صبرهم، وهي أنفاسهم التي يستعينون بها على الطريق الطويلة الوعرة، المظلمة، الموحشة.