حقائق إعلامية
سيظل الإعلام رقماً صعباً في صياغة فكر الأفراد والمجتمعات وإعادة إنتاج ثقافات الشعوب والتأثير فيها وتغييرها لصالح معدلات عالمية زاحفة للسيطرة وإعادة تشكيل خريطة العالم، لكن الحديث عن الواقع الإعلامي في العالم يحيلنا إلى ثلاثة استنتاجات معقدة ومتشابكة· الأول ويتعلق بالطابع الاستثنائي للثورة التكنولوجية التي يعيشها العالم، فيما يتعلق بثورة تكنولوجيا الإعلام والاتصال وتطبيقاتها المتعددة، أما الثاني فيرتبط أساساً بالتحولات المؤسساتية والتقنية الكبرى التي نتجت عن الثورة التكنولوجية وكرست، من بين ما كرست له، تغليب قيم السوق والليبرالية والخصخصة وغيرها، وتشكيل ما اصطلح على تسميته بنهاية التاريخ وبانتصار القيم الديمقراطية والليبرالية والرأسمالية على قيم الشمولية والديكتاتورية·
والاستنتاج الثالث يحيلنا إلى ما جاءت به ثورة تكنولوجيا الإعلام والاتصال، والتحولات المؤسساتية المصاحبة لها، من معتقدات جديدة كان مقرراً لها منذ زمن أن تكون عقيدة نهاية القرن وفكر القرن المقبل: عقيدة العولمة والمجتمع المعولم·· وهذا ما هو حاصل بالفعل من حيث سيطرة مجتمع الإعلام والاتصال ومجتمع المعرفة·
وهناك في مقابل هذه الاستنتاجات حقائق كثيرة تحدث عنها يحيى اليحياوي ونشرها موقع الإعلامي، توقفت عند الحقيقة العاشرة تحديداً والتي تهم عالمنا الثالث، والمتعلقة بضعف مساهمة دول العالم الثالث (ولنقل انعدامها) لا في تصور الشبكات أو استغلالها، ولكن أيضاً فيما يخص تطوير الخدمات والبرامج والتطبيقات، واكتفاء هذه الدول بمبدأ وممارسة نقل التكنولوجيا باسم ''منطق'' مسايرة العصر وتكنولوجيا العصر، بسبب ضغط الشركات المتعددة الجنسيات وعقدة الانبهار التكنولوجي·· وأخطرها إطلاقاً تهميش هذه الدول لقيم البحث العلمي وإهمالها المطلق لمواردها البشرية التي تضطر للعمل بالخارج أو تتعاطى ممارسات شنيعة أولها مجاملة السلطة وخضوعها الأعمى لها وآخرها انحرافها نحو ''منطق'' المسمار والعقار و''المعمار'' مروراً بتكريسها لعقلية الارتزاق السياسي والفكري·
إن هذه الرهانات والتحديات ضخمة لا من وجهة النظر الصناعية الجيوسياسية والاستراتيجية فحسب، ولكن أيضاً في تبعاتها الثقافية والحضارية· نقطة أساسية هنا لابد من التنويه عنها وترتبط بما يروجه كثير من العرب من طروحات عن الاستهداف الحضاري والثقافي بحيث يتكلمون عن الغزو الثقافي والاختراق المعرفي·
هناك من لا يعتقد بوجود الغزو من أجل الغزو، فالدول الكبرى لا تهتم بالدول إلا بالقدر الذي يمكنها من تسريع دورة رأس المال والدورة التجارية للسلع، بالتالي فكون هذه الدول تفرض سلعها ونمط استهلاكها لا يعني أنها تستهدفنا من أجل الاستهداف ولكن من أجل تسريع وتيرة الدورة الربحية للسلعة الرأسمالية·
إن السبيل الوحيد لضمان حد أدنى لمستقبل دول العالم الثالث، ثقافات وحضارات، يكمن في الوعي بثلاث حقائق لا بديل عنها: أولاها: هذا المستقبل لا يمكن ضمانه والحديث عنه خارج منطق البحث العلمي والتطوير، وقد وعت دول جنوب شرق آسيا هذا جيدا لذلك فإن دوله مثل كوريا تعتبر من بين الدول التي تمتلك وسائل إعلام ضخمة وممتدده على هيئة إمبراطوريات إعلامية شبيهة بما هو موجود في أمريكا وأوروبا واليابان، ثانيها: إنه في غياب توظيف القدرات البشرية، وإتاحة أعلى سقف ممكن من الحريات، حرية الصحافة والتعبير وسيادة منطق حقوق الانسان وقيم المجتمع المدني، لا يمكن أن يتم ضمان المصداقية والفعالية لمستقبل العالم الثالث وقد وعت دول جنوب شرق آسيا هذه الحقيقة جيداً·
ثالثها: هذا المستقبل لن يكتب له التجسيد في غياب الإرادة السياسية والرؤية الواضحة· وهو ما نفتقر له في كل دول العالم الثالث والدول العربية!
ayya-222@hotmail.com