كان الاستحواذ هو صيحة كرة القدم في العقدين الأول والثاني في القرن الحادي والعشرين، فاختير برشلونة في تلك الفترة فريق العقد الأول، وصاحب الاستحواذ هو الإسباني بيب جوارديولا، اقتباساً من مدربه يوهان كرويف، والاستحواذ الكامل بفلسفة جوارديولا يتطلب 11 لاعباً، بمن فيهم حارس المرمى، يملكون مهارات فردية عالية المستوى، وقدرات بدنية هائلة، فلا استحواذ دون حركة بلا توقف.
ولسنوات عجز المدربون عن مواجهة هذا الأسلوب، حتى بدأت ثورة وشيكة في عالم اللعبة، جعلت الاستحواذ له مخاطر، وجعلت الضغط العالي له أخطاره، فعادت الهجمات المضادة، وعادت الكرة الطويلة، استغلالاً لاندفاع الفريق الذي يمتلك الكرة، واستغلالاً للفريق الذي يضغط عند منطقة المنافس، وفي الحالتين تكون في الخطوط الخلفية مساحات، دون تغطية عند فقدان الكرة وعند الضغط العالي.
دليل هذا الكلام أن السيتي في الموسم الماضي أصيب بسبعة أهداف بهجمات سريعة مضادة من منافسيه، وفي هذا الموسم تعرض السيتي للهجوم المضاد السريع لأكثر من 28 مرة في جميع المسابقات، وبعضها أنتج أهدافاً وبعضها الآخر أنتج التهديد.
الإصابات والغيابات والإجهاد، و«جبل الإحباط» الذي يحمله اللاعبون على أكتافهم من أسباب نتائج مانشستر سيتي هذا الموسم، والتي لا تتفق مع قدرات لاعبيه وقدرات مدربهم، والبداية كانت بالهزيمة الثانية ثم الثالثة، ثم الهزيمة أمام ريال مدريد في ملعب الاتحاد بالدقيقة 92 في الملحق الأوروبي، وكانت تلك الخسارة هي قمة هذا الجبل لفريق ظل متقدماً حتى الدقيقة 86 ومن هنا تبدأ المعالجة، ومن هنا يجب أن يبدأ التغيير في فلسفة الاستحواذ المطلق، وهو أمر في عقل ويد جوارديولا.
كرة القدم تشهد تغييرات مستمرة، ففي عام 2008 شعر لاعبو مانشستر يونايتد بالإهانة بسبب الاستحواذ الكامل لبرشلونة على الكرة في نهائي أوروبا، وذهب مدربون إلى الاستحواذ كأسلوب، وذهب بعضهم إلى الأساليب المضادة، مثل سيميوني في أتلتيكو مدريد، خاصة أن سرعة اللاعبين المنافسين يجب أن تكون مثل سرعة العدائين، وقد بات الصراع بين امتلاك الكرة وبين الضغط العالي من جهة، وبين اقتناصها في مرحلة بناء الهجوم من الخلف من جهة أخرى.
في فترة سابقة من القرن الماضي، كانت اللعبة في مرحلة ركل الكرة بعيداً عن المرمى، مع قيام المدربين بحساب لسرعات الرياح كمطلب أساسي، باعتبار أن إلقاء الكرة بعيداً يعد إبعاداً لتهديد المنافس للمرمى، بينما ابتكر المدرب البرتغالي جوزيه مورينيو فلسفة طريفة تقول: «إذا امتلك الفريق الآخر الكرة ليلعب بها، فإننا سوف نلعب دون الكرة».. أي سندافع، ونتحرك بتنظيم، وننقض لاقتناصها، ونهاجم بسرعة.
** ثورة كرة القدم في المستويات العليا والمسابقات القوية بدأت منذ فترة لمواجهة الاستحواذ بالتنظيم الدفاعي أولاً؟ ثم الهجوم بالتمريرات الطويلة الدقيقة، وبالهجوم المضاد بأقصى سرعة، وبأكبر عدد من المهاجمين... أحياناً تكون قراءة في فنجان كرة القدم اجتهاداً ممتعاً..؟