في اقتتال غير معلن بين المؤسسات الأقوى والأكثر نفوذاً، توجد كرة القدم رهينة، لا تعرف إنْ كان ما يحدث سيحمي جماهيريتها من نزوح ألعاب أخرى، أو سيعبث بجماليتها وجاذبيتها، ويُشرع لها مسار الهبوط إلى جحيم الاندثار.
سابق لأوانه، القول، إن ما يحدث حول كرة القدم من المؤسسات الوصية التي تفرقت بها السبل، وتعارضت من حولها المصالح، سيضعف من جماهيريتها الجارفة، لكن ما يقع ينبئ فعلاً بحرب مستعرة لا هوادة فيها، ومن تأتمنهم أحلام الشعوب على كرة القدم، لا بد وأن يحُولوا دون المشي في حقل الألغام.
قلت يوماً، ما ردده من يوصفون عادة بالرومانسيين، إن الهجمة الشرسة للمال، وكرة القدم ببطولاتها التي رفعتها لدرجة الكونية تُحشر في تجاذب رهيب، بل وعنيف بين القيم الجمالية التي تحصن المبدع الرئيس الذي هو اللاعب، وبين الغول التجاري والتسويقي، الذي يأتي على الأخضر واليابس، ستدمر الحصن الأكبر الذي تحتمي به كرة القدم.
وما يقع اليوم هو تجسيد مخيف لهذا الابتلاء الذي ابتليت به كرة القدم، وقد تطاول معيار الربح المادي على ما عداه من معايير، فكان الضحية الأولى هو اللاعب، ومن بعده كرة القدم التي تعيش اليوم وضعاً شاذاً، تبرز مأساويته في الحرب المستعرة بين الاتحاد الدولي لكرة القدم، وروابط الدوريات الأوروبية، وجمعية اللاعبين المحترفين، كل يشجب الازدحام المفرط للمباريات، وكل يرثي لحال اللاعبين، ولكن لا أحد على الإطلاق يقف في وجه هذا الجنون في ابتداع بطولات وتمطيط مسابقات، بذريعة أن الزيادة في العائدات لمواجهة تضخم التكاليف، تحتاج إلى مزيد من المباريات، والكل يجزم أن المباريات إنْ زادت وتضخمت هددت العمر الرياضي الافتراضي للاعبين، ولعل الصور التي تتداعى كل يوم من ملاعب العالم، وهي تنبئ بسقوط لاعبين أمام إصابات خطيرة في الأربطة، والتي تفضي مباشرة على قاعات الجراحة، أو لتمزقات عميقة للعضلات، أكثر ما يلخص الحكاية.
وتواجه كأس العالم للأندية التي استحدثها الاتحاد الدولي لكرة القدم بمشاركة 32 نادياً، والتي ستعرف انطلاقتها الصيف المقبل، مقاومة شرسة من روابط الدوريات الأوروبية، ومن جمعية اللاعبين المحترفين، بل إن هناك تقاضياً بين هذه المؤسسات، التي تتراشق التهم وحتى التوصيفات القبيحة، فإن وصف طرف طرفاً آخر بالهيمنة والاستفراد بالقرارات، رد عليه الطرف الآخر بأن اتهمه بالنفاق، وبما قاله الشاعر في زمن مضى: لا تنه عن خلق وتأتي مثله... عار عليك إذا فعلت عظيم.
والحال أن كرة القدم نفسها، تحوّلت إلى كرة نار تتدحرج بين المصالح، كل يريدها أن تحرق المعسكر الآخر، بينما المُحترِق الأول بلظى الصراع الخبيث هو اللاعب، هي كرة القدم التي تحتاج اليوم إلى تناظر عالمي يعيد صياغة قواعد اللعبة، وينتصر على الخصوص للجانب الإبداعي والجمالي فيها، ولا يتركها فريسة للمال والشراهة، وهدم القيم.