وأنا على فراش المرض تذكرت والدي حين كان غواصاً يلتقط اللؤلؤ من المحار الذي يجمعه من عمق البحر. فقد اشتهر الخليج قديماً بصيد اللؤلؤ وتجارته. وكان مصدراً لرزق الغواصين ومآسيهم. وكنا لا نعرف كيف تتشكل اللؤلؤة في المحارة، حتى جاء العلم وكشف سر ذاك التشكل. وكان من نتائج تلك المعرفة أن اتجهت كثير من الدول إلى زراعته والتحكم في أحجامه.
في مسيرة حياة الإنسان لا ينتبه إلى أنه يمكن أن يتماهى مع المحارة في حل الكثير من مشاكله، ويجعل من الألم الذي يصيبه لؤلؤة تشع به. ولأن (الوعي هو أقصى درجات الانتباه للحياة) كما يؤكد الفيلسوف «هنري برغسون»، فإن المشاكل قد تحيط بنا وتستهلك طاقتنا جسداً وفكراً. ولن نعي كيفية الخروج منها إذا لم ننتبه إلى طبيعة الكائنات من حولنا ونتخذ من حكمتها في مواجهة ما يعترض حياتها من مشكلات عبرة ودرساً. وقد انتبه الفيلسوف الفرنسي «أومرام ميخائيل أيفانهوف» إلى حكمة المحارة في مواجهتا ما يؤذيها، فيقول: «كيف تتصرف المحارة لتصنع لؤلؤة؟ في البداية ثمة ذرة رمل تسقط في قوقعتها، ولأن ذرة الرمل تحكها وتؤذيها فتفكر المحارة في كيفية التخلص منها، ولأنها لا تستطيع حذفها خارج قوقعتها، فإنها تبدأ في تغليفها بمادة ملساء هي جزء من طبيعة إفرازاتها، فتتكون اللؤلؤة التي نعرفها).
ثم ينبهنا إلى أنه «منذ آلاف السنين يقوم المحار بتثقيف البشر، لكنهم لم يدركوا بعد العبرة من ذلك، ولو أدركوا تلك العبرة لتوصلوا إلى تغليف مصاعبهم داخل مادة مضيئة لطيفة قزحية الألوان». ولأنه يدرك أن البشر قد لا ينتفعون من حكمة المحارة، فإنه يقول لهم: «بدلاً من أن تتذمر وتراوح مكانك وتعذب نفسك بسبب مشكلة تعترضك، ولا تصنع شيئاً سوى اليأس والحزن، حاول أن تفرز تلك المادة لتغليف مصاعبك، فعندما تجد نفسك أمام حدث عسير كالمرض أفرح، وقل هذه ذرة من الرمل، وهذه لؤلؤة جديدة تتراءى في المستقبل»، لكننا أمام هذا نتساءل: من أين لنا بتلك المادة الشبيهة بمادة المحارة؟ الإجابة تكمن في أن المادة اللطيفة تلك تكتنز بها طاقة أدمغتنا وأرواحنا حين ندرك جوهر حياتنا وأهميتها بالنسبة لنا وللآخرين الذين نتبادل معهم المحبة. وندرك أيضاً أن المصاعب هي جزء من وجودنا في الحياة، وأن طموحاتنا كلما ارتقت وتشعبت صار طريق تحققها محفوفاً بالمصاعب، لكن ثمة أيضاً قدرة فائقة لدى الإنسان يستطيع توظيفها لتجاوز مصاعبه، والسير في طرقات الحياة بوعي وانتباه.