رحل أحمد عمر فارس الكلمة، ومنشئ بريق الطفولة على صفحات مجلة كانت كتاب الطفل على مستوى العالم العربي، وراهب القراءة الورقية، وعاشق الصورة في أحشاء الكلمة، ووريث الرجال الأفذاذ الذين صنعوا مجد صحافة الطفل من هنا، من ديار الأحلام الزاهية «الإمارات» كان أحمد عمر في مكتبه العامر بفسيفساء الكتب والمجلات في الدور الرابع من المبنى الذي تتربع على عرشه صحيفة «الاتحاد»، وكان الرجل بوجهه الباسم يقرأ بنهم وشغف العشاق كل شاردة وواردة في مجلته عشيقته، وكان يحرق طيات الليل حتى ساعات متأخرة، وقبل مغادرة مبنى «الاتحاد» كان يقوم بجولة متأملة في الدور الثاني، حيث تعمر صالة «الاتحاد» بجهود المخلصين والذين عكفوا على قراءة الصفحات، وتلاوة الأخبار بعناية، برفقة كؤوس الشاي يقدمه رجال سمر من القارة المنفتحة على عالمنا بأجنحة وارفة الظلال.
أحمد عمر لا يمر على الزملاء في «الاتحاد» للسلام فحسب، بل كان الرجل منشغلاً بهموم الأمة، وما يكتنفها من رضوض سياسة وخفقات ومطبات مباغتة على مختلف الصعد.
كان يحضر إلى الزملاء في الديسك المركزي، ويقضي وقتاً بين رفاق الهم المشترك، ثم ينتقل إلى الأقسام الأخرى بدءاً من قسم المحليات، فالاقتصاد، وعلى طريقه خارجاً إلى البيت، ويعبر محيط القسم الرياضي، ويستمع إلى نقاشات الزميل العزيز عصام سالم رئيس القسم، ويتبادل السلام والكلام، ثم يغيب ليأتي في منتصف النهار التالي ويصمد في مكتبه حتى ساعات متأخرة من الليل.
هذه سيرة الرجل العصامي رجل الكلمة التي أشرقت في عيون الأطفال حكاية مسلية وثقافة بنتْ أفكار جيل بأكمله على مستوى العالم العربي.
أحمد عمر ليس صحافياً فحسب، بل كان مفكراً من الوزن الثقيل، يدلي بأفكار موسوعية في مختلف مجالات الحياة في السياسة والثقافة عدا الاقتصاد، فقد كان يقول دوماً لا شأن لي في هذا المجال، ثم يبتسم ابتسامة تند عن هموم رجل ليس في ما يهم الطفل فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى حدود ما يعصف بالوطن العربي من رياح تهب من هنا وهناك، وكانت السيجارة لا تفارق شفتيه، حيث كان الرجل يجد فيها لسان لهب يحرق حطب قلقه على ما يحدث في عالمنا المنكوب بالإخفاقات المتتالية كأمواج البحر.
أحمد عمر رحل، وستبقى صورته في الذهنية الإماراتية بخاصة، وكثير من أطفال الأمس أصبحوا اليوم رجالاً يتبوؤون مناصب عالية في الإمارات والعالم العربي، هذه الصورة المثالية لرجل علّم أجيالاً، وكانت افتتاحيته في مجلة «ماجد» دروساً أسبوعية يتلقاها الصغار والكبار على حد سواء، كانت مفعمة بعبارات تربوية وشحنات تعليمية جعلت من هذا العصامي النبيل رائداً تربوياً بمعنى الكلمة، لأن كلماته لم تكن لملء الفراغ في صفحات المجلة، بل كانت تحمل هدفاً سامياً لرجل تسامى في ثقافته الواسعة ليسخرها في خدمة أبناء أمته.
رحم الله أحمد عمر، وأسكنه فسيح جناته، ونتمنى من الله القدير أن يلهم هذه الأمة رجلاً بسمات هذا الرجل العملاق المؤمن بأن الكلمة هي الحاملة التي ستنقل وطننا العربي من القحط الثقافي إلى نجود الأخضر اليانع.