كان مدهشاً ما فعله أمراء باريس في حديقتهم، خلال ذهاب دوري أبطال أوروبا أمام أستون فيلا، صمموا تحت إمرة مدربهم لويس إنريكي، الوارث لفكر وفلسفة بيب جوارديولا، القائمة على الاستحواذ والضغط العالي، عرضاً كروياً بالفخامة التي تجاوزت كثيراً ما كان حضره الإسباني الآخر أوناي إيمري، مدرب أستون فيلا، حتى بدا لنا جميعاً أن باريس سان جيرمان أودع في رصيده ما يكفيه لتسديد فاتورة مباراة الإياب.
وكم كان مهلوساً بل ومرعباً، أن تضيق مباراة العودة بقلعة الجنون «فيلا بارك»، على لاعبي باريس، ورَحُبت بداياتها والجناحان الدفاعيان الرائعان، المغربي أشرف حكيمي والبرتغالي نونو مينديس يتقدمان لباريس سان جيرمان، فما اعتقدنا أنه بات مسلماً، بأن يعبر الباريسيون بلا عناء إلى نصف النهائي، المحجوز سلفاً لمبدعين من طينتهم، ظهر بالفعل على أنه استسهال بأستون فيلا، تنقيص من أوناي إيمري وسهو عن ذاك السعار الذي يتملك الإنجليز، فلا يتركون موقعة كروية إلا وتوقف فيهم النبض.
نجح الجدار الإيطالي دوناروما حارس باريس سان جيرمان في صد كل غارات أستون فيلا، إلا أنه عجز عن صد كرة سددها البلجيكي تيلمان فخدعته بأن لمست صدر مدافعه ويليام باتشو، ليكون الهدف الأول للفريق الإنجليزي، الذي رأيته كما رآه عشاق الأسود شهاباً انطلق في فيلا بارك، معلناً قدوم «الريمونتادا»، مع هبات الريح وزخات المطر.
مع انهمار المطر سيتحول الفريق الباريسي إلى جسد مبلول، لا يكاد يبصر، وإلى ورقة تتطاير بها الرياح فلا تعرف لها اتجاهاً، أدرك أستون فيلا التعادل، ثم أضاف هدفاً ثالثاً، في دقيقتين ناريتين، وبدت الثلاثون دقيقة المتبقية من المباراة وكأنها جحيم لا يطيقه الفريق الباريسي، الذي تحجم بشكل رهيب، ولحسن حظه أن ما تخلى عنه دفاعه مع اشتداد «الزمهرير»، عض عليه حارسه دوناروما بالتواجد، وطلع على أمراء الحديقة في الليلة الظلماء بالبدر المفقود، سلسلة من التصديات المدهشة، أطفأت ما بقي من ضوء مذهل لأستون فيلا، ليعبر باريس على أسنة الوجع إلى نصف النهائي.
إن عرفنا لأستون فيلا قلباً لا ينكسر وهامات لا تنحني، وهو الأسد الذي جعل له أوناي إيمري أنياباً وزئيراً وسعاراً، أدركنا مع انطفاء باريس سان جيرمان في سماء فيلا بارك، أن كرة القدم تشق علينا دائماً بالصراع الرهيب بين النقائض، بالسفر المجنون من النقيض إلى النقيض، وبأن من تمسك لعنة الأبطال بتلابيبهم، لا تتركهم إلا وأحالتهم إلى حطام.
فهل كسر أمراء باريس بالطريقة التي خرجوا بها من جحيم فيلا بارك، لعنة دوري الأبطال الذي ما عرفوا لتاجه لوناً ولا طريقاً؟