ثمة ما يشغل النقاش بين رفاق القلم، ننتقل بين الأمس واليوم، بين إبداعات مرّت وأخرى تنتظر، وذات يوم قريب، تحدثنا عن وصايا البدايات، لمن يترصدون الكُتّاب الجدد، ممن أشاحوا بكتاباتهم على البدء، ونشروا أولى تجاربهم الإبداعية، تربُص حثيث بهم من بعض النصائح، ليوجهوهم حتى لا يحيدوا عن طوعهم، أو يبصروا الطريق من دونهم، رصد وترصد، فمن يحيل كتاباته إليهم يبقى نسخة منهم ومن كتاباتهم، ومن يحيلهم إلى النسيان يثابر في الوصول بمجهوده.
انتهى نقاش رفاق القلم إلى هذا الحد، وبدأت بعفوية بمقارنة ثرية بين برامج الذكاء الاصطناعي في هذا الزمن، وممن يتربصون بالمبدع في بداياته، بيد أن الذكاء الاصطناعي بات أمراً يشغل الحياة بما يقدمه من إبداعات، ولوحات فنية، وتحرير الكتابات والقصص والروايات، لمن أراد أن يقترن بالإبداعات دون جهد يذكر.
وما يفضي به هذا الاختراع هو أمر جلل يفوق الوصف، بما يروي من رؤى، من إيقاعات زمنية يختزلها تاريخياً وعلمياً، ويمدها بالوصايا الأدبية والثقافية، التي هي محور حديثنا، فلا اختلاف بسياقها أنها أصبحت محور الصناعات بالكون.
ثمة إلقاء العقل البشري في الإبداعات الإنسانية، في خوضها المشوّق، في احترافها وتأصلها بقراءات عميقة تأسيسية، وحضور منتديات فكرية وأدبية وخوض سلسلة من النقاشات احتدامية، ليبلغ الإبداع منتهاه أياً كانت هذه الإبداعات فنية أو كتابية.
لا شك في أن برامج الذكاء الاصطناعي أيقونة حرفية، باتت تأخذ مكانها وتنوب عن العقل البشري في شتى المهن وبالذات الإبداعية، المساعدة ليست للإلهام والفكر وإنما لتسهيل الإنتاج، وإذا ما اعتاد العقل البشري واتكأ على هذه البرامج لأصبح هذا الأمر فاضحاً، فلا يتخيّل المرء أن العقل الإنساني بهذا الاستسلام للتقنية، حيث تحلّ الآلة محل الفطرة الإنسانية وتُفضي بالإبداع إلى حرفة مصنّعة.
ومن مسلمات الأمر أن برامج الذكاء الاصطناعي بها شيء من التميّز الصناعي الحديث، وهي تقنية حرفية مطيعة للعقل الإنساني، وتجسّد ثقافة الإنسان، وجهده في صنع تقنيات يطوعها لنفسه لتمضي به إلى آفاق المعرفة، وتجسّد الحكمة الإنسانية ببدء عصر العقل الحرفي الآلي، إلا أن يقظة العقل الإبداعي تتمحور بيقظة المشاعر الإنسانية، لا حجبها، أو خلق مشاعر مصطنعة لا تمت لمكوّن الإنسان ومواهبه التي يبتدعها ويحتويها عبر القرون، وهي أيقونة حضارية تعبّر عن الوعي الإنساني، وتسابق الزمن في نشر الإبداع وخلق سير إنسانية مبدعة.
هل تتجلى يقظة الفطرة الإنسانية وتشرق بمنظومتها الإنسانية أم تستسلم ليقظة العقل الآلي وينتهي الشغف الإنساني في قادم العصر للإبداع الآلي؟