هناك فكرة تراودني عن العمق الإنسانيّ الدفين الذي تنام فيه الأشياء والأفكار والذكريات. دائماً ما أتصوّر أنه يقع أسفل البطن. هذا العمق الدفين في الجسد هو مخبأ الأسرار كلها، حيث في هذا القاع الصامت، تنام الأشياء الأولى، وتترسّب الذكريات، وتذهب المشاعر والأفكار لتستقر في مكانها الأخير.
أدهشني أن المتصوّفة، عندما كانوا يتحدّثون عن اكتشاف «السر»، فإنهم لا يقصدون المعرفة بحقيقة ما، بقدر ما هو إدراك لمعنى ولبّ الروح، أو فهم جوهر الإنسان، ومكان الوصول إلى مقام الاتصال. قال أحدهم: إن السرّ مودَعٌ في الجسد، ولم يقل في العقل. وفي فلسفة الزن تُسمّى منطقة السرّة (هارا)، وتُعدّ مكمن التوازن والطاقة، وهي نفسها المنطقة التي اختارها محاربو الساموراي كطريقة لممارسة الانتحار، والتي تُعرف أيضاً بـ (هارا كيري)، بما يوحي بأن هناك علاقة ما لهذه المنطقة من الجسد بالوعي الأول الدفين غير المدرك، خصوصاً وأنها أيضاً مكان الحبل السريّ الذي يربط الإنسان بالعالم في مراحل تكوينه الأولى.
علميًّا، يقول الأطباء إن هناك شبكة عصبية هائلة تترسّب في منطقة السرّة وتؤثر على الحالة النفسية والمزاجية. أيضاً، عندما تنتابنا حالات من الخوف أو الفرح أو الحنين، نشعر بها في الجسد لا في العقل، في الصدر والبطن. يصعب علينا، عند الوصول إلى هذه المشاعر، أن نصفها بالكلمات، ربما يكون الصمت أكثر بلاغة هنا. وربما نحتاج إلى لغة غير عادية لنصف ما يمور في هذه الأعماق. وهذا بالضبط ما أرغب في اقتراحه، وهو أن لغة الشعر والإبداع والإلهام العظيم إنما تستمدّ سحرها من هذه المنطقة من الجسد، لا من العقل وحده.
يقول حكماء الفلسفة الشرقية، إنّ التوازن في منطقة السرّة يجعل الإنسان قادراً على التعبير عن ذاته بحرية. ونقول نحن إنّ فلاناً أطلق صرخةً عميقة، ونتخيّلها نابعةً من أسفل البطن. وللشاعر الأميركيّ المعاصر كريغ ستايغر مقطعٌ جميلٌ يصف فيه السرّة كرمزٍ للارتباط بالأرض والكون: «البقعة الصغيرة التي نحملها على بطوننا الناعمة، ترمز إلى دمنا الدافئ. بقايا ذلك الحبل السريّ اللامع الذي يربطنا بالريح والعشب والنجوم».
ضع يدك على مكمن السر، وتنفّس بعمق، ثم ابدأ بالكتابة عن الحب، والجمال، والحرية، والأمل.