لا تغير الفصول دورتها، ولا الزمن يتوقف عند حالة أو نقطة واحدة، يأتي القيظ بكل ما هو معروف عنه، حرارة شديدة ورطوبة عالية، وقد يصحب هذه الحالة ضجر عند بعضهم ويقرر أن يقصر زمن هذه الحالة بالسفر أو صنع ظروف ومناخات جديدة، وتكون وجهته إلى المناطق الأقل حرارة ورطوبة، وقد تكون في البلد نفسها أو ما جاورها من مناطق قريبة، وكثيراً ما يحصل هذا في منطقة الخليج العربي، حيث توجد بعض المناطق المناسبة في الجزيرة العربية، أقل حدة في الحرارة من قلب الجزيرة.. الفصول تأتي ثم ترحل ولكل منها خصوصية، تتأثر بالاستدارات المناخية بالتأكيد.. كلنا نعرف هبوب السهيلي وحرارته ولهيبه، حيث يأتي في هذه الفترات أو قبلها أو بعدها بقليل، أخذ اسمه من الجهة التي يخرج منها نجم سهيل، من الجنوب ومن قلب الصحراء العربية، لذلك يأتي بلهيبه وحرارته الشديدة. كان واضح الحضور قديماً ومؤثراً جداً في الحياة اليومية، خاصة وقت الظهيرة، عندما يشتد لهيب الصحراء وتكاد الشمس أن تحط فوق الرؤوس، لا تدري كيف استطاع الإنسان الصحراوي أن يتغلب على تلك الرياح والسموم التي تهب عليه كالنار، حيث لم تكن توجد المراوح أو مكيفات الهواء، ولعل البيوت البسيطة والمشيدة من سعف النخيل أو بيوت الشعر أو الخيام، كانت تساعد جداً في خفض الحرارة وذلك اللهيب والحد من سموم هبوب السهيلي.
الآن قد لا يعرف الكثير من أبناء الإمارات والخليج أن هناك رياحاً محلية غاية في الصعوبة، عندما تهب على البلاد تحول الحياة إلى نار وحرارة لا يطفئ قوتها غير الماء أو البحر. وربما بتبليل الملابس وارتدائها مبللة، لخفض الحرارة أو السباحة.. الآن لا تأتي هبوب السهيلي مثل العهود السابقة، هل هناك تغير في المناخ وتبدل في الطقس؟ ربما هو كذلك، ثم إن هذه الحداثة العظيمة في تحويل كل شيء إلى أماكن مكيفة الهواء وبقوة هائلة، ودفع قوي لا يتوقف على مدار الساعة والأيام، هي واحدة من الأسباب أن الإنسان لم يعد يبالي بما يجري من تغيير مناخي أو بيئي، حيث كل شيء تحت السيطرة، وتحولت المدن إلى أماكن مكيفة كبيرة وضخمة عبر الأسواق المركزية المكيفة وكذلك كل مبنى ومكان.. لم تعد تعنينا الرياح وأهميتها القديمة في الحياة اليومية والحركة والعمل، حيث الآن لا سفن تبحر عبر الرياح ولا قوافل تنتظر الوقت والفصول لترحل في ما يناسبها من زمن. كان الأبناء قديماً يعرفون حركة الرياح ومسمياتها من خلال الأهل، والتأثير المباشر عليهم، حيث إن ريح الشمال تعني بأن البحر سوف يكون هائجاً وصعب الإبحار فيه، ورياح الكوس تأتي في زمنها وفصلها، وقد تكون محملة بالرطوبة وهي متوسطة القوة، بينما رياح الغربي، منعشة وجميلة يطرب لها الإنسان ويستغل فترتها في التنقل بين المدن أو الصحاري والواحات، أما ريح البري أو العقربي أو الرياح التي تأتي ناعمة من الجنوب أو البحر، في أوقات الغسق أو الفجر وأواخر الليل، فإنها أروع الرياح في الإمارات، وكثيراً ما تركت أثرها في النفوس المحبة للحياة والجمال، وما أكثر القصائد والشعراء الذين أطربتهم تلك الرياح البديعة.. وحدها ريح السهيلي مثيرة للضجر والتعب، والحمدلله أنها تغيب الآن منذ أن هزمتها المدن الحديثة في الإمارات.