«تيكي تاكسي إلى إسبانيا».. كان عنواناً لمقال الصحفي الإنجليزي صمويل مارتين في جريدة «ديلي ميل» عام 2014، ساخراً من منتخب إسبانيا الذي غادر كأس العالم بصحبة أستراليا، ويومها قال: «خرجت إسبانيا من التاريخ برؤوس منحنية»، وهذا صحيح، فالخسارة كانت جسيمة أمام هولندا وتشيلي.
سبعة أهداف هزت شباك إيكر كاسياس في مباراتين. والعنوان يختصر سخرية إنجليزية من أسلوب «تيكي تاكا»، الذي بدأ مع يوهان كرويف في برشلونة ثم طوره بيب جوارديولا، لكن الأسلوب لم يمت، وأصبح صيحة كرة القدم في العقدين الأول والثاني من هذا القرن بسبب جوارديولا مدرب مانشستر سيتي، إلا أن الفارق بين 2014 و2024 عشر سنوات عمل خلالها الإسبان على مشروع بناء تكتيك جديد، لا يعتمد فقط على معدل الأعمار الصغير، وإنما على مزيج فريد بين تيكي تاكا، وشراسة الهجوم بأربعة أجنحة، وفتح مساحة واسعة في منطقة دفاع المنافس بقيادة نيكو ويليامز ويامين يامال.
خطأ كبير هو اختصار تفوق الإسبان في «يورو 2024» في صغر سن لاعبي المنتخب، فقد كان معدل أعمار الفريق في المباراة النهائية 26.5 سنة، مقابل 27 سنة للاعبي إنجلترا، لكن الفارق يكمن في المهارات الفردية والسيطرة على الكرة وفي التكتيك الذي قدمه لافوينتى مدرب الإسبان الذي عمل مع فرق الناشئين والشباب لمدة 9 سنوات، وحقق بطولات أوروبية في عامي 2015 و2019 وفضية دورة طوكيو الأولمبية 2020.
الإنجليز قادهم مدرب فلسفته «احتواء قوة المنافس»، وهو إقرار داخلي بأن المنتخب الذي يقوده أقل من منافسيه، مع أنه يضم كوكبة من نجوم البريميرليج والدوري الإسباني، وصحيح أن ساوثجيت استقال وهو يوصف بأنه من أنجح مدربي المنتخب الإنجليزي في التاريخ لمجرد أنه تأهل للنهائي مرتين وللدور قبل النهائي أربع مرات، لكن تظل المعادلة العادلة والحقيقية أن الأداء الجيد والابتكار والإبداع بقدرات ومهارات متميزة هي الطريق للبطولات، وذلك طريق المدربين إلى مصاف العظماء، فكل مدرب كان صاحب فكرة وأسلوب جديد مبتكر دخل التاريخ.
المشروع لا يعني افتتاح أكاديمية وجمع 50 طفلاً أو شاباً وتدريبهم على استقبال الكرة وتمريرها مع تمارين اللياقة والقوة، وإنما المشروع هو ابتكار أسلوب وغرسه في عقلية الناشئين وصناعة ذهن هدفه البطولة في رأس كل شاب. لعل ذلك يكون أهم دروس بطولة الأمم الأوروبية التي انتهت بفوز إسبانيا بجدارة، لاسيما أن الفريق كان يلعب مستمتعاً، وحين تتحرك الأقدام بالمتعة فإنها تصنع المتعة، وقد عادت الكرة الإسبانية حين طورت من أسلوب «تيكي تاكا»، حين جمعت بين الاستحواذ بالتمرير والهجوم المباغت والمبكر والسريع دون تأخير، وقد شهدت كرة القدم على مدى تاريخها طرقاً وأساليب لعب عديدة، منها «الكتناتشيو» الإيطالية التي ابتدعها هيلينو هيريرا في الستينيات، والكرة الشاملة لصاحبها ميتشيلز، و«تيكي تاكا» لمؤلفها يوهان كرويف وتلميذه بيب جوارديولا.
** الإنجليز فتحوا باب التاريخ ودفعوا بساوثجيت إلى الغرفة ليكون لهم أي شيء في كتاب تاريخ كرة القدم، بخلاف أنهم أساتذة اللعبة!