مجرد أن تغلق المدارس أبوابها ومجيء الصيف ببشارة «النغال» تنشرح صدور النساء، وتلمع العيون الكحيلة ببريق الفرح، وتتغير لغة التخاطب مع الأزواج، وتصير العلاقة مائية سائلة، كما هي جداول أحواض السباحة في البيوت الفاخرة.
في الصيف يعيش الرجال بين خمائل الأخلاق السائلة بألسنة عذبة المنطق، رخية اللغة، سخية الكلمات التي تملأ القلب برائحة ثمرات الليمون.
هذه ميزة تتفرد فيها النساء في كل أرجاء العالم، حيث إنهن يستطعن التحول بالمزاج من أسود فاحم إلى وردي زاهٍ الأمر الذي يجعلهن كاسحات ألغام للغبن، وسوء الشجن ولا يستطيع أعظم شنب أن يقوم بهذا الدور التاريخي الذي تتبوأه المرأة، فهذه فضيلة من فضائل الرحمن منحها الخالق للمرأة، لتقود مراحل الحياة والعلاقات الزوجية إلى بر الأمان ومن دون تنهد، ولا تصهد، ولا تردد، فهذه هي المرأة العظيمة صارت تنتهز هذه الملكة لأغراض في نفس شغوفة بأمور حياتية، ومنها السفر إلى الخارج.
وفي الصيف الحامي تزدهر مشاعر المرأة بالطاقة، وخفة الدم، ورقة القلب، ورهافة الروح، وبداهة العقل، كل هذه الإمكانيات يرتفع منسوبها لدى المرأة، لأنها تركز فقط في شيء واحد، ألا وهو كسب ود الرجل، ورضاه، والإذعان للرغبة (الملحة) في السفر إلى الخارج، ولا يمكنه أن يخترع الأعذار حتى ولو كانت صادقة، وحقيقية، لأن ست الحسن لا تستطيع أن تتراجع عن رغبتها، لأن الجارة الفلانية غادرت البلاد إلى البلد الفلاني، كما أن شقيقاتها، وكل من ينتمي إلى الحرم المصون قد حزم الحقائب، وسار بالركاب إلى مضارب شتى في هذا العالم.
ومن ذا الذي يستطيع أن يرفض رغبة امرأة وضعت كل إمكانياتها الأنثوية البديعة في سبيل تحقيق هذه الغاية، غاية السفر حتى ولو اضطر الرجل الاقتراض من البنوك، وحتى لو عانى وشقي بعد شهر «العسل» السياحي، المهم في الأمر ألا ينكسر خاطر الزوجة، وألا تكون بين القرينات والجارات أنها لم تغادر البلاد، ولم تشم هواء المدن الباردة.
هذه قصة من قصص الحياة فقد نستنكرها، وقد نستهجنها، ولكنها اليوم أصبحت جزاءً من ثقافة مجتمع، وحتى يتم تغييرها والتحول عنها، لا بد من الوعي بأهمية أن نكون نحن وليس غيرنا، ولا بد أن ننتصر لأنفسنا بعيداً عن التقليد، لأن في التقليد انقياد، وفي الانقياد ذل وهوان، وفي هذا وذاك ضياع الكثير من الثوابت، ومنها السعادة لأن القناعة هي بيت السعادة ومتى ما أفلتت منا القناعة أصبحت السعادة مجرد ورقة لكتاب مهمل منذ عقود، أو مئات السنين.
بلادنا هي الأجمل، وهي الأمتع في كل ما تقدمه من خدمات الترفيه وإسعاد الإنسان، وليس هذا الكلام للمدح بل هو واقع حال وعلينا فقط أن نتخلص من «الفخفخة».