في عصر تتلاطم فيه أمواج الاختلاجات العاتية وتتصادم فيه المشاعر الإنسانية وتحتدم فيه صراعات الأنا، لا مجال للعيش بسلام من دون استدعاء الوعي وإخراجه من صندوقه الأسود «العقل الباطن»، ولا مجال للوصول إلى مرافئ محاراتها غنية ببلورات الضوء ولآلئ الأحلام الزاهية.
يقول الفيلسوف الهندي (أوشو): «لا تبحث عن السعادة هناك، السعادة هنا في الداخل فقط، أزل التعاسة فهي القشرة السوداء التي تخفي بذرة السعادة، القشرة هي الأفكار المسبقة، هي الخبرات السيئة، هي الخيبات والمطبات التي تصادفك في الطريق». تخلّص منها وانظر إلى اللاشيء سوف تأتيك السعادة كعروس البحر تحتفي بك وتعانقك بحرارة، وتجعلك في الحياة كوردة برية تهفهفها النسائم. دع عنك سمة الاستحواذ، دع فكرة أنا الأفضل، دع الشعور بالنقص، ودع القول (هذا لا يكفي). قيل في الفلسفة الشرقية: كن أقل تكن أكثر.
ويقول الشاعر الإنجليزي ورد زورث: «نسمة من غابة ربيعية قد تعلمك عن الإنسان وعن الفضيلة والشر والخير أكثر مما قد يعلمك إياه كل الحكماء».
لماذا النسمة؛ لأنها الشفافية والنقاء وصفاء القريحة، ونحن بحاجة إلى هذه السجايا كي نتحرر من أسباب الشروخ التي لحقت بجدران أرواحنا والنتوءات التي علقت بنفوسنا، نحن بحاجة إلى البراءة حتى نستمر في الحياة من دون كراهية.
«اليوجا» سبيل لهذه الحرية، اليوجا ترياق الخلاص من صدأ النفوس وغبار الأزمنة وسعار الحروب النفسية الداخلية والخارجية.
نحن بحاجة إلى «اليوجا»، نحن بحاجة إلى مصفاتها العريقة كي نحقق ذاتنا، كي نبني أعشاشنا عند هامات الوجود الطبيعي بعيداً عن عواقب الصراعات النفسية العقيمة والنزاعات الداخلية القميئة.
ما يحدث في العالم اليوم من تصدعات في الجدران ومن انهيارات تحت الأقدام، إنما هو تلك النزعة الذاتية والأنانية التي انبثقت من براكين النفس الأمارة، النفس التي تدفع بنا نحو المزيد من طعن الآخرين من الخلف ومن الأمام، نزعات تبدو في الظاهر حقاً مشروعاً، ولكنها في المضمون والمحتوى، سهام مسمومة الغرض منها انهماك الأنا في البحث عن التميز على حساب الآخر والسؤال الدائم لماذا يكون هو ولا أكون أنا؟ ويكفي هذا السؤال أن يحرق الحرث والنسل، ويبيد الأعشاب الخضراء في حقول العلاقات مع الآخر.
إذاً «اليوجا» ليست لعبة للتسلية، بل هي حاجة وجودية ضرورية، هي اليد الحانية التي تمنح نفوسنا نشوة البقاء من دون ألم.