أقسى من الصبر، أن تناديه ولا يأتيك. وكأنما كُتب على فمك أن يغمغم معك في الوحدة والوحشة، والناس يظنونك تغني للأمل. دعك من الصبر فإنه القبر، دعك أيضاً من انتظار النتيجة، أي نتيجة، لأنك هنا تقعُ في عطلٍ فادحٍ، وقد تُصاب بالرخاوة وقد يفترُ حقاً عزمُ اندفاعك البربري لتحقيق أمانيك الساذجة.
أدهى من الثعلب، فكرةُ الفخ. وقد رأيتُ رجالاً ينصبون الفخاخ لاصطياد الغزال الحر. وشهدتُ بأم عيني نساء يضعن أفخاخ الحرير لاصطياد القُساة، وشممتُ أيضاً فخاخ عطر، وكم سقطتُ فريسة في بحبوحة هذا الهلاك الجميل.
أمرُّ من المر، اضطرارك أن تجرعهُ دفعةً واحدة. وبدلاً من دحض الخطأ، نراك تُسايرُ الاعوجاج هنا وتهادنُ الميلان هناك. تُرى ما الذي سيبقى من فحواك إذا ركنت لاختلالك، وصارت حياتك سعياً في منزلقٍ بعد منزلق؟ هل يمكن أن نطلق عليك لقب: كان حياً هنا؟
أشدُّ ضراوة من الغدر، أن تعود لتُقيم بين أصحابه. ها هم من جديد يحملون الخناجر وراء ظهورهم، وأنت بعبطٍ تحملُ الوردة ومجروحةٌ أصابعك من شوكها. ها هم يدفعونك للأمام لتقول الحقيقة جهراً في الساحات، وهم يضحكون على سقوطك أولاً في التهمة والخطأ.
أقوى من الموت، من لا يخافونه. ليست الشجاعة أن تحدّق في فتحة البركان، بل أن تقفز فيه. ليست البطولة أن تهزم جيشاً من الضعفاء، بل أن تُطلق العصافير إلى الأشجار وأن تشهد عُرس صفيرها. الموت والحياة توأمان في الشطرنج، حتى لو لعبتها وحدك.
ذهاباً وإياباً من النبع إلى النبع. هذه باختصار قصة الرجل العطشان. والنبعُ هو المرأة التي لا تُغمّه ولا تبثّ سم اليأس في ساقيه وتقعده طريحاً قربها. أعرف شاعراً تبرّع بعموده الفقري لمن يحبها كي يدوم شموخها في القصيدة، لكنها مع ذلك، ظلّت تنحني لتنفخ على رماد أوراقه المحروقة. وأعرف أيضاً امرأة صرخت يوماً: من هو الرجل الذي رسمني عمياء على الجدار؟ وخفتُ كل الخوف أن أقول: أنا.
أن تصير مقيماً في الظن، وأن يأكلُ الشكُّ لقمة اليقين الأخيرة وينهبها من يديك، فهذا يعني أنك لا زلت تمشي حافياً على سلكٍ شائكٍ. فإن سقطت يميناً، سينهشك الموقنون بضرورة أن يُقنّن الحب، وربما سلخوا جلد قصائدك المتمردة. أما إن سقطت شمالاً فسوف يمرجحونك قليلاً بين قوسين، ومن بعدها يطلقونك سهماً نحو مكان نفيك.