- الحياة وأشياؤها تحتاج إلى أسئلة، وتحتاج لنبش وغربلة وتقويم من أجل المعرفة الصرفة، واليوم يمكن أن نطرح مسألة الثوب الذي ارتقى من الستر إلى الحماية إلى التكيف مع الطقس إلى التميز عن الآخر إلى الغواية وحتى للتمايز. 
وقد وجدت في الكتب الدينية والتراثية العربية أحاديث تخص الملابس والمغالطات الفجّة فيها، فبعض الملابس «تجلي البصر، وبعضها يجلب الهم، وآخر يزيد الهمّة، ويزيل الغمة»، في حين أن علاقة الإنسان بالملابس ومكملاتها إنما هي حاجة وعادة، ثم غدت ترفاً للتباهي والتمايز، لكن الحقيقة تظل للطبيعة كلمتها الأولى والأخيرة، بعيداً عن المغالطة في الأديان، ولغو الكاذبين، ونسج من يريدون الاختلاف عن الناس بملابس مهن قديمة أو جديدة أو طارئة. 
فعلاقة الإنسان بالملابس قديمة قبل مسألة الرسالات، أجبرته عليها الظروف المناخية، وإنْ عدها البعض أنها فرضت بأحكام سماوية، حينما «طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة» في قصة آدم وحواء، رغم أنها كانت حاجة في ذاك الوقت، حين أجبرهما ظرف ونتيجة الأكل من الشجرة المحرمة، لكن هذه العلاقة العجيبة بين الإنسان والملابس مع الوقت خرجت عن مسبباتها، وأصبحت تأخذ طابعاً مختلفاً، يسيَّرها هوى النفوس، وما تريد أن تطرح من معانٍ يفهمها الآخر، أصبحت للملابس لغة، ولألوانها فلسفة، ولها أوقات، واختصت بمهن وبمناسبات وفصول، حتى غدت نوعاً من الترف، والرفاهية، والتميز الاجتماعي، ومحط إغراء، بدأها الإنسان قديماً بما يصطاد من جلود الحيوانات، وانتهى اليوم بما ينتقي من جلود حيوانات نادرة، وبما يدمغه عليها من علامة تجارية فاخرة، ووصلت أسعارها، وأسعار مكملاتها بما يوازي حفر آبار في قرية نائية، وتكفي الألوف.
- لباس الستر لا يعني للناس اليوم الكثير، لا ينتقى، ولا يبالغ في أثمانه، ويمكن أن يأتي للمحتاجين عن طريق «أسواق البالة» أو تبرعاً من محسنين.
- لباس التباهي والعظمة يرتديه أصحاب المكانة المرموقة بما يليق بمكانتهم وهيبتهم أمام الآخرين، بعضهم يصل حد أن يضاهي الطاووس، وحد أن يجعل لكل أفراد مهن في حاشيته لباساً يميزهم، لأنه يعلي من هيبته.
- لباس التدين والرهبنة والمشيخة والتقوى يرتديه من يعد نفسه مخالفاً للآخر، ومتميزاً عن ملة الغير، ويرتديه الإنسان ليشعر الآخرين بالطهارة التي تسكنه، وخير المسلك.
- لباس الحرب فيه من المبالغة والحيطة والزهو ما يشعر العدو بأنه ضئيل أمام خصمه، هدفه هزيمة الآخر في داخله.
- لباس الفرح فيه شعاع من انطلاقة نحو الحياة وتعميرها، يظهر فيه البذخ والتفرد ويبقى ذكرى طوال العمر.
- لباس الحزن، ويختلف بين البياض والسواد والأخضر والبنفسجي الغامق أحياناً، فيه سكينة ودمعة محتبسة وجلال موقف.
- لباس العسكر فيه من الانضباطية والصرامة والهندام والقياسات المحددة لكل فرد، هو اللباس الوحيد الذي يملأ جسد الإنسان فخراً حين يكون الوطن هو القبلة.
- لباس العمل والمهن عادة ما يكون من أخشن الثياب وأكثرها تحملاً، لا يمكن التباهي به خارج نطاق جدران العمل، وأماكن تصبب العرق.
- اليوم ذهب الإنسان بملابسه لتكون صناعة عظيمة، وغدت تعبر عن شخصه وانتمائه وميوله وعمره وجنسه ووطنه، ولا علاقة للتعليمات الدينية فيها!
هناك لباس للكهنة وللسحرة وللرهبان والمتصوفة وللقضاة وللأئمة وللطوائف، وتفرعات المِلّة، وشيوخ الطريقة، وشيوخ الطائفة، تختلف ملابس الخاصة عن لباس العامة منهم، حتى جاء وقت أصبحت بعض المجتمعات ترتدي ملابس كان يروج لها على أنها لباس السابقين الصالحين من السلف.