في الأصل.. اليوجا فتح القنوات باتجاه الأفق وترك الجداول تمضي من دون عوائق، حيث أشجار الروح بحاجة ماسة إلى الإرواء وإلى رواية جديدة غير رواية (الأنا) وغوايتها ونزواتها واضطراب نواصيها وأركانها وأعمدتها وسقفها وأرضها.
في اليوجا تنقية الآبار النفسية، وترتيب أثاث الغرف الداخلية وتحلية مياه الداخل كي ترتوي العلاقات البشرية من نهر الشفافية وانسجام الأطراف، وتضامن أسنان المشط، لتصبح خصلات المجتمع البشري كأنها الحرير، وتصير جدائله كالساري الهندي ينساب على قامة الإنسانية كأنهار تشق طريقها إلى العشب القشيب.
احتفال الإمارات باليوم العالمي لليوجا إنما هو احتفاء بالحياة الطبيعية، هو انتماء إلى عالم تسوده أريحية الطير وسر الغيمة وسحر النجمة وتعويذة الإنسان الكامل من دون رتوش ولا خدوش ولا ضجيج ولا عجيج ولا اصطفاف ولا ارتجاف، بل هي الحياة كما هي، وكما جاء الإنسان نقياً من الأهواء والأنواء ومن العواتي وعسف النزوات.
الإمارات اليوم موطن الإنسان - القصيدة تلك الترنيمة الآتية من فضاءات قيثارة الصحراء، وهذا الكائن المبجل يعزف على أوتار الفرح، ويمضي بالحياة كأنه الحلم على رموش جميلة حباها الله بحسن الوجنة ورهافة الجيد وجود الرشاقة.
الإمارات اليوم تقدم للعالم نظرية إنسانية مفادها العلم بأن تخلص الإنسانية من الرواسب والأفكار المسبقة ومن حثالة القهوة الباردة، إنما هو علم جديد قديم جاءت به اليوجا، كما كان في سابق الزمان جزءاً من أغنيات البدوي، وهو يخب على سنام البعير بحثاً عن أسرار الصحراء وعن آياتها الجليلة وعن فضاءاتها النبيلة.
الإمارات اليوم تسرج خيول المعرفة بهذا الفن الجميل، متكئة على تاريخ إنساني عريق هو تاريخ الصحراء وما فاضت به من تأملات تجعل من الحياة ليست إلا وعاء ثري المعاني، وطبقاً يختزن أسرار الطبيعة وأحلام الطير وروعة عيون الغزلان ومهابة الغافة ونبل النخلة وقداسة الرمل، وهو يمسح الأقدام الحافية برفق وحنان ومحبة، وهي تلك الأقدام التي نحتت على التلال الرفيعة تطلعات إنسان أحب الحياة فأحبته وأعطته، ومن دون شروط ولا قوانين سوى قوانين الطبيعة.
اليوجا خلاص الإنسانية من الشوائب وتحررها من ربقة العصاب القهري ومن وهن الروح وعهن الخداع البصرية.
تمنحنا اليوجا حياة جديدة معافاة من نشارة الخشب اليومية مشافاة من درن البؤر الشمسية الساقطة على الأجساد جراء النوم تحت سطوة الأنانية وما تفعله (الانا) في الإنسان من تشققات تفري الروح.
في اليوجا عودة إلى الطبيعة، واستدعاء الروح الهاربة إلى حروب الأنا وضغائنها وشحناء العلاقات الإنسانية المختومة بوصمة الكراهية.
اليوجا خلاص البشرية من الضآلة وانحسار الماء العذب والغوص في البحار المسجورة.