هناك أمور كثيرة نصادفها في يوميات حياتنا، وتنغص علينا أوقاتنا، وتظل الشكوى منها دائمة، وكأنها بلوى مسلطة علينا، وأصحابها ظاهرون لنا في لعبة «الحظ واليانصيب»، هي أشياء لا تخص فقط السيارات وعوادمها أو المصانع وما تنفث في الجو من ملوثات أو البحار وما تطنف من لوث، زمان كنا مبتلين بالشحاذة والشحاذين عند المساجد، وعند الصراف الآلي، وفي مواقف السيارات، وعند المستشفيات، وفي أماكن يعرفون أنها تؤثر عليك، مثل محلات الورود والشوكولاته لأنك مطلّع ولدك، وأنت ساعتها منتش أو حامل ورداً لمريض ترجو شفاءه، فتقول: دفاعة بلاء!
اليوم لا وجود للشحاذة ولا الشحاذين الذين كانوا يلوثون الأمكنة، ويزعجون خلق الله، ويرفعون ضغطهم، ويضطرونهم للخجل تارة، وللكذب تارة أخرى، ودائماً ما يجعلونهم في موضع الغمط والغبن، لأنهم يعرفون أن الذي أمامهم في الغالب كذّاب، ومحتال، واستطاع أن يمرطهم شيئاً من مالهم، ويضحك عليهم بدعاء يعمي العيون، وغير صادق لأنه خارج من رجل كاذب، تكفلت القوانين والتشريعات والأجهزة في ملاحقتهم، والتضييق عليهم حتى تخلص الجو من إحدى الملوثات للبيئة.
خلال السنوات الأخيرة بدأت ملوثات أخرى للبيئة، مثل بائعي العطور في «المولات» المزعجين حد الضيق، وحد ارتكاب مسبة تخرج منك حين يتدخل بينك وبين صديقك وأنتما في حديث، ويقطع عليكما ببخ عطر «منسم» أو تكون أنت وزوجتك ويتلقاكما بائع وبائعة وينفردان بكما في سبيل إقناعكما بعطر مغشوش ورخيص، ولا يصلح حتى للمبتدئات في أعمال يجلبها عادة الفقر المدقع بالإنسان والحاجة، وحين تهربان من وجهيهما، يلحقانكما بجملة اليوم لدينا تخفيض سبعين في المائة على العطور كافة وبيوم واحد فقط، ناقص فقط يستعيرون عبارة يبخّها المروجون للعطور في «السوشيال ميديا» وهم من ملوثات البيئة أيضاً، حين يختتمون إعلانهم المبتذل بلا حرفية ومهنية إعلامية: «الحق ما تلحق»!
آخر صيحة في ملوثات البيئة أولئك الذين يتصلون بك من أرقام مميزة ضامنين عصفورين في اليد؛ أن الرقم المميز سترد عليه وبسرعة، والأمر الآخر أن هذا الرقم مدخل لمصداقيتهم وجديتهم في العمل كذر الرماد في العيون، ويدخل عليك بصوت فيه رجفة عدم المهارة، ويطلب منك أن تضع كل بيضك في سلتهم الاستثمارية، بدءاً من الفضة والمعادن وانتهاء بالعملات المشفرة، ويدخلك في أرقام ربحية متصاعدة، وأسهم منطلقة، وعوائد مالية مجزية، مختتماً طاقة القدر التي فتحت عليك فجأة بعبارة: «خليك في البيت، وخلّي الباقي علينا»!
المتصلون من أجل اصطيادك كُثر، ولا تدري كيف يتسلطون ويسطون على أرقام العباد، مسببين تلوثاً في البيئة، منهم المتصل والمدعي أنه الوكيل الحصري لشركة العقار، وأن هناك مشاريع جديدة، وربحها مضمون، والتسليم خلال ثلاثة أشهر والدفع بعد سنتين من استلام المشروع، والهدية تأثيث بالكامل للشقة بتوقيع واحد من كبار المصممين، المشكلة وهو يشرح لك بكلامه الناعم، تسمع «هرنات» سيارات، وأحد ينادي، وآخر «يكاسر على النول» تقول في مواقف سيارات الأجرة، وهو جالس تحت مظلة واقية من الشمس ومهترئة!
هناك أشياء كثيرة من ملوثات البيئة، وربما تحتاج لعمود آخر.