ليت لي قلباً يعيش في صدره.. بل ليتني كنت في قلبه. هذا ما أشعر به عندما أرى أخي الذي فقد ابنته وهو يرسم لها من الآمال لوحات فنية ألوانها لا تعرف الألوان. كم تمنيت لو ألمس حرارة ذلك الفؤاد فأطفئ أنفاساً أثقلتها لوعة الفراق، يأتي شعبان ويليه رمضان، ثم تتوالى الأعياد وصور من الذاكرة تتراقص أمامنا في كل مناسبة لنا بها مواضعُ ومواقف وذكريات. ليت لي أن أغير مسار فكره وأتحكم في مشاعره وتفكيره فأعود بها إلى زمنٍ كنا نركض فيه على السيف المليء بالقواقع السارحة في طريقها إلى البحر، كنا نضحك فلا نعرف أن لنا وجوهاً قد تعبس، لذا عندما طلبوا منا صوراً لجواز السفر بدت لنا ملامح لا تشبه تضاريس وجوهنا الحقيقية.
كنا نركض في حريةٍ مطلقة لا تعرف سوى جمال الطفولة، نركض حتى يترس الهواء ثيابنا ويجعل كشيشنا كالعهن المنفوش. الطيار محمد بالخير إنسان مؤمنٌ بقضاء الله وقدره، رجلٌ رزين، مهذب، محلل فائق الذكاء للمواقف وممرات الحياة، لاسيما عندما تتحول من عنق زجاجة إلى فتحة إبرة. لا أقول ذلك لأنه أخي، ولكني أقول ذلك من صدقٍ وحيادية. الحقيقة والصدق لا يختلف عليهما العقلاء.
يقول أحد الحكماء إن «أحلى عشق هو المحبة التي تجمع بين أخوين»، وهذا كما أراه في إخوتي، فمن يعرف عائلتي يقول لنا دوماً «أنتم مثل الفواكه في اختلاف ذوقها»، وكنت أرد على هذه العبارة في خاطري «نعم، نحن مثل الفواكه ولكننا نتحد في الشكل والمواسم»، وهناك عاملٌ مشترك يميزنا كأشقاء.. من يعرفنا جيداً يعرف ذلك العنصر، فقد نشأنا وتربينا على قيم ومبادئ تُجرم الطاقة السلبية، وتحفز كل ما هو جميل فينا وفي الآخرين. صراعات الميراث لم تسلك طريقنا، وبدلاً منها كنا نجتمع نهاية كل أسبوع على طاولة واحدة نَلوي على من تجيش لهم المشاعر في أي لحظة ونمسك بأيدي الكبارية ونزقر الصغارية، وعادة ما تسمعني أنادي أحد الأطفال قائلة «تعال باحبك..أو تعال بناخذ صورة»، لا شيء أغلى أو أجمل من المحبة ومن الأهل ومن يزورك في بيتك لأنه يحب وجودك بين أهلك وناسك.
للعارفين أقول، ليتني في قلب أخي وليت قلبي في صدره.. إن الأخوة دواء من كل علة. أخي كالسماء والمحيط.. حبيبٌ بلا شروط أو قيود وليس لحبي له حدود. اللهم احفظ لكل أخت أخاها ولكل أخ أخته، وزد من المحبة في قلوبهم.. دمتم محبين.