تبخر أحلام عملية السلام!
بعد مرور عقدين على توقيع الزعيمين الفلسطيني والإسرائيلي اتفاقية سلام مؤقتة في واشنطن العاصمة، باتت مهمة التوصل إلى حل نهائي للصراع أكثر صعوبة.
ولم تعد العقبات الملموسة تزداد فقط لتقف حجر عثرة أمام عملية السلام، فعلى سبيل المثال زاد عدد المستوطنين الإسرائيليين الذين يعيشون على الأراضي الفلسطينية المحتلة ثلاثة أضعاف، أي إلى أكثر من نصف مليون شخص، ولكن أيضاً أضحت الأرضية السياسية في الوقت الراهن أقل خصوبة مقارنة بوقت توقيع اتفاقات «أوسلو» قبل عشرين عاماً.
وفي عام 1993، أفعم الأمل الفلسطينيين والإسرائيليين، الذين أدهشتهم المبادرة الجريئة لزعيميهم، ولكن بعد عشرين عاماً أخرى، أصبحت البيئة سامة، وملوثة بضعف الإرادة الناجمة عن سلوكيات سلبية، ومثبطة لتطلعات تحقيق السلام، من كلا الجانبين.
ولا بد من اعتبار هذا الواقع في حسابات صنع السلام، ومن الضروري الأخذ في الحسبان ليس فقط بنود «الصفقة» التي يتوصل إليها المفاوضون الفلسطينيون والإسرائيليون، ولكن أيضاً قدرتهم على ترويجها لشعبيهم اللذين تخامرهما الشكوك ويشعر كثير منهما بعدم الثقة في «الطرف الآخر»، بل وربما لم يعد يعتقدان أن السلام غاية يمكن تحقيقها في الوقت الراهن.
وفي كتابي المنشور حديثاً «عشرون عاماً بعد أوسلو»، أراجع المواقف الفلسطينية والإسرائيلية على مدار عقدين بعد توقيع قادة الطرفين اتفاق أوسلو، ويضع الكتاب إطاراً زمنياً مداه عشرون عاماً ثم يتعقب كيف تعاقبت الأحداث أثناء هذه الفترة وأفعال كلا الجانبين التي أسهمت في تقويض دعم الشعبين لعملية السلام.
وفي متابعة لهذه الدراسة، أصدرت الأسبوع الماضي نتائج استطلاع للرأي أجراه «مركز زغبي للخدمات البحثية» بشأن المواقف الفلسطينية والإسرائيلية.
ويوضح هذا الاستطلاع الحديث درجة انتشار المواقف السلبية الآن في كلا المجتمعين، وهو ما يؤسس للمدى الذي بلغه فقدان الأمن وضياع الثقة.
وقد استطلع «مركز زغبي للخدمات البحثية» آراء ألف إسرائيلي وألف فلسطيني في نهاية العام الماضي، وبينما وجدنا مجالات اختلف عليها الجانبان، لاحظنا أيضاً مساحات اتفاق أساسية، تركزت دائماً على تقييمهما السلبي المشترك لأفق السلام في ضوء التحديات التي يواجهها الآن.
وعلى سبيل المثال، بينما يرى الغالبية في كلا الجانبين أنهم كانوا مفعمين بالأمل عندما تم توقيع الاتفاقيات، أصبح الآن واحد فقط من بين كل خمسة إسرائيليين وفلسطينيين يقول إنه يرى أن أوسلو «يعتبر تطوراً إيجابياً».
وبالمثل، بينما يوافق غالبية الفلسطينيين والإسرائيليين على أن حل الدولتين هو نتيجة مرغوبة دون شك، يعتقد الثلث فقط من كلا الجانبين أن هذه النتيجة لا تزال قابلة للتحقيق والتطبيق من الناحية العملية.
وعندما سئلوا عن السبب وراء فقدانهم الأمل، أوضح الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي فهماً مشتركاً ملحوظاً للدور السلبي الذي لعبه العنف واستخدام القوة في تسميم الأجواء، ولعل هذه هي أكثر النتائج الإيجابية الناتجة عن هذا الاستطلاع.
ووافق كلا الجانبين على سبيل المثال على أن الأحداث أو السلوكيات التالية أسهمت في تقويض ثقتهما في أفق السلام، فالجانب الفلسطيني يلفت إلى استمرار البناء الاستيطاني وإعادة احتلال إسرائيل للضفة الغربية، واغتيال رئيس الوزراء اسحق رابين ومذبحة باروخ جولدشتين للفلسطينيين في الخليل، بينما يشير الإسرائيليون إلى التفجيرات الانتحارية وإطلاق الصواريخ من غزة والانتفاضة الثانية وانتخابات حركة المقاومة الإسلامية «حماس».
وعلاوة على ذلك، وافق أيضاً الإسرائيليون والفلسطينيون على أن إسرائيل والولايات المتحدة لم تبذل جهوداً كافية لتطبيق اتفاقات «أوسلو».
ومن نتائج هذا الاستطلاع، يبدو من الواضح أن مواقف الجانبين خلال العقدين الماضيين ألحقت خسائر جمة بالفلسطينيين والإسرائيليين. وعليه، يجب على الزعماء المشاركين في الجولة الراهنة من محادثات السلام ليس فقط أن يتعاملوا مع قضايا الخرائط والحقوق والمخاوف الأمنية للطرفين، ولكن أن يواجهوا أيضاً تحدياً إضافياً آخر يتمثل في التوصل إلى اتفاقية تكون مقبولة لشعبيهم.
وعلى هؤلاء الزعماء أن يكونوا قادرين على إقناع ناخبيهم بأن هذه الجهود ستكون مختلفة هذه المرة عما يعتبره كلا الجانبين الآن اتفاقات «أوسلو» الفاشلة.
وقد أضحى من الواضح بناء على استطلاع «مركز زغبي للخدمات البحثية» ومراجعة آراء الفلسطينيين والإسرائيليين على مدار الأعوام العشرين الماضية، أنه لا يمكن لأي من الجانبين فعل ذلك بمفرده.
وإذا ما كان سيتم منح فرصة لعملية السلام، سيكون لقوى فاعلة خارجية، تشمل أطرافاً أكثر من الولايات المتحدة، دور مهم لتقوم به كضامنين ومحفزين ومحكمين بين الطرفين.
وقد آن الأوان لبدء التدخل الآن للمساعدة على تهيئة الأجواء، لا سيما أنه بانتظار مضي مفاوضات السلام في مسارها أو الإعلان عن اتفاق إطار عمل أميركي سيكون الوقت قد تأخر جداً.