عاد مجدداً ملف تيار اليمين المتطرف في الولايات المتحدة الأميركية إلى صدارة الأحداث والاهتمامات العالمية. فهذا التيار يؤمن بأن الدولة القومية يجب عليها التخلص من مواطنين آخرين في البلد ذاته، على أساس أنهم عناصر «أجنبية» تضعف الأمة من الداخل! وفي هذا السياق، جاءت الأحداث الأخيرة لتظهر كيف تنبعث من جديد مجموعةٌ متعصبة كان ينظر إليها ذات يوم على أنها هامشية داخل الولايات المتحدة، وهو انبعاث ربما سهّله (بل عززه) مضمون الخطاب السياسي والإعلامي السائد.
والحال كذلك، ليس أمراً مستغرباً أن تشهد الولايات المتحدة، الأسبوعَ المنصرم، حادثي إطلاق نار جماعي خلال فترة لا تتجاوز 24 ساعة. بل مما يثير الانتباه هنا، حسبما رصدت «منظمة أرشيف العنف المسلح»، أن الحادثين يحملان رقمي 250 و251، في قائمة حوادث إطلاق النار الجماعي بالولايات المتحدة خلال عام 2019 وحده. ويأتي هذا في أحد أكثر الأيام دموية في الولايات المتحدة حيث قتل عشرات الأشخاص. وقد شددت «المنظمة»، غير الحكومية آنفة الذكر، أن حوادث إطلاق النار الجماعي «باتت عملاً شائعاً في الولايات المتحدة»، ولفتت إلى أن البلاد شهدت «33 ألف حادثة عنف مسلح وتهديد باستخدام السلاح خلال العام الجاري وحده».
وطوال العقود الماضية، تجاهلت الاستراتيجيات المحلية لمكافحة التطرف تنامي خطر «اليمين المتشدد جداً». وفي أجواء اللامبالاة هذه، فشلت الأجهزة الأمنية في رؤية الخطر الذي باتت تشكّله «جماعات اليمين المتطرف» أو «الجماعات القومية البيضاء». وحتى مجزرة نيوزيلندا المستوحاة من الكراهية المنتشرة في صفوف اليمينيين البيض الأميركيين، قلل من شأنها البعض معتبراً إياها «مشكلة صغيرة». وفي معرض تبسيطه للظاهرة، اعتبر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أن مشكلة الأمراض العقلية هي السبب الرئيسي لعمليات القتل الجماعية الجديدة في الولايات المتحدة، وأشار إلى أن المجرمين يعانون من مرض عقلي خطير للغاية، وأنهم يواجهون المشكلة نفسها «لسنوات». ورغم أنه أدان «نزعة تفوق العرق الأبيض والتطرف والعنصرية»، وطالب بإعدام مرتكبي عمليات القتل الجماعية «بسرعة».. فقد تجاهل موضوع انتشار الأسلحة حين قال: «المرض العقلي والكراهية هما اللذان ضغطا على الزناد»، أي أن الخطأ فيهما وليس في السلاح وتوفره، مع العلم أن نقابة الأسلحة الفردية تغدق على مرشحي الحملات الانتخابية الجمهورية أموال الدعم والتبرع.
لكن المراقبين يتساءلون: لماذا كل هذه الحوادث في الولايات المتحدة الأميركية فقط، وليس في باقي المجتمعات الغربية الصناعية الأخرى ذات الثقافة المشابهة؟!
الفكرة الرئيسية التي يعتنقها المتطرف اليميني، حيثما كان، هي أن الدولة القومية (وهي تحكم نفسها) عليها التخلص من العناصر «الأجنبية» التي تضعفها من الداخل، حتى تستطيع توفير العدل والرخاء لمواطنيها الطبيعيين، أي البيض تحديداً، في مواجهة «عدو» خارجي يتكون من اللاجئين والمهاجرين. وبعبارة أخرى، فإن اعتقاد القوميين البيض في هذا الشأن يقوم على سيناريو الخوف من فناء العرق الأبيض بشكل أساسي، بسبب وصول غرباء «آخرين» وصعودهم اجتماعياً واقتصادياً داخل المجتمع ذاته. ويزعم القوميون البيض أن التهديد كبير للغاية، بحيث إن العنف الشديد ضد هذا العدو المفترض ليس مبرراً فحسب، بل هو مطلب ضروري من أجل حماية البلاد والمجتمع مما يرونه تهديداً وجودياً لهما معاً.
وبالمقابل، وفي حمأة نقاش متجدد، قال رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب الأميركي، النائب الديمقراطي عن ولاية كاليفورنيا، «آدم شيف»، إن «الإرهاب الذي يمارسه متطرفو البيض خطر قائم وحقيقي. ليس علينا أن نعيش هكذا. لا نريد أن نترك إخواننا الأميركيين يموتون هكذا. الحقيقة البشعة هي أن إرهاب أنصار تفوق العرق الأبيض خطر حقيقي وداهم. وعندما يستخدم بعض القادة لغةً عنصريةً أو مهينةً لوصف المهاجرين على أنهم غزاة، فإن رجالاً مسلحين غاضبين ومعزولين يستمعون ويتخذون ما يرونه من إجراءات مناسبة».
كما اعتبرت مسؤولة الأمن القومي السابقة بوزارة العدل الأميركية، «ماري ماكورد»، أن ما تشهده الولايات المتحدة من عنف مسلح يمثل «مشكلة أخلاقية». وقالت، في تصريحات صحفية، إن «الهيئات الأميركية العامة ووكالات إنفاذ القانون، لا تتعامل مع الهجمات الجماعية الداخلية، بما فيها تلك المرتبطة بالعنصرية ومعاداة السامية، بالاهتمام والإدراك نفسه اللذين تتعامل بهما مع الهجمات التي ينفذها أجانب». وختمت قائلة: «يميل الأميركيون إلى ربط الإرهاب بالتطرف الإسلامي، ولا يحاولون ربطه بجماعات تفوق العرق الأبيض، وهو ما يتعين عليهم فعله الآن».
لقد أظهر اليمين الأميركي المتطرف درجة عالية من حركية التنظيم ومن قوة التأييد لسيادة البيض في الولايات المتحدة. ويبقى من غير الواضح حتى الآن كيف ستتعامل الولايات خلال المستقبل القريب مع المساعي الرامية لتكريس تفوق العرق الأبيض. وفي هذا السياق، استخلص تقرير لـ«إن بي سي نيوز»، كتبه «سايمون كلارك»: «نحن نعلم بالفعل أن هذه الظاهرة حقيقية ومتنامية، فقد تحدث مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (كريستوفر وراي) أمام الكونغرس، العام الماضي، وأكد أنه للمرة الأولى يحقق المكتب في أكبر عدد من القضايا الإرهابية اليمينية المتطرفة، التي كان مصدرها من الداخل، مثلها في ذلك مثل قضايا المتطرفين في الدول الإسلامية».
والحال كذلك، ليس أمراً مستغرباً أن تشهد الولايات المتحدة، الأسبوعَ المنصرم، حادثي إطلاق نار جماعي خلال فترة لا تتجاوز 24 ساعة. بل مما يثير الانتباه هنا، حسبما رصدت «منظمة أرشيف العنف المسلح»، أن الحادثين يحملان رقمي 250 و251، في قائمة حوادث إطلاق النار الجماعي بالولايات المتحدة خلال عام 2019 وحده. ويأتي هذا في أحد أكثر الأيام دموية في الولايات المتحدة حيث قتل عشرات الأشخاص. وقد شددت «المنظمة»، غير الحكومية آنفة الذكر، أن حوادث إطلاق النار الجماعي «باتت عملاً شائعاً في الولايات المتحدة»، ولفتت إلى أن البلاد شهدت «33 ألف حادثة عنف مسلح وتهديد باستخدام السلاح خلال العام الجاري وحده».
وطوال العقود الماضية، تجاهلت الاستراتيجيات المحلية لمكافحة التطرف تنامي خطر «اليمين المتشدد جداً». وفي أجواء اللامبالاة هذه، فشلت الأجهزة الأمنية في رؤية الخطر الذي باتت تشكّله «جماعات اليمين المتطرف» أو «الجماعات القومية البيضاء». وحتى مجزرة نيوزيلندا المستوحاة من الكراهية المنتشرة في صفوف اليمينيين البيض الأميركيين، قلل من شأنها البعض معتبراً إياها «مشكلة صغيرة». وفي معرض تبسيطه للظاهرة، اعتبر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أن مشكلة الأمراض العقلية هي السبب الرئيسي لعمليات القتل الجماعية الجديدة في الولايات المتحدة، وأشار إلى أن المجرمين يعانون من مرض عقلي خطير للغاية، وأنهم يواجهون المشكلة نفسها «لسنوات». ورغم أنه أدان «نزعة تفوق العرق الأبيض والتطرف والعنصرية»، وطالب بإعدام مرتكبي عمليات القتل الجماعية «بسرعة».. فقد تجاهل موضوع انتشار الأسلحة حين قال: «المرض العقلي والكراهية هما اللذان ضغطا على الزناد»، أي أن الخطأ فيهما وليس في السلاح وتوفره، مع العلم أن نقابة الأسلحة الفردية تغدق على مرشحي الحملات الانتخابية الجمهورية أموال الدعم والتبرع.
لكن المراقبين يتساءلون: لماذا كل هذه الحوادث في الولايات المتحدة الأميركية فقط، وليس في باقي المجتمعات الغربية الصناعية الأخرى ذات الثقافة المشابهة؟!
الفكرة الرئيسية التي يعتنقها المتطرف اليميني، حيثما كان، هي أن الدولة القومية (وهي تحكم نفسها) عليها التخلص من العناصر «الأجنبية» التي تضعفها من الداخل، حتى تستطيع توفير العدل والرخاء لمواطنيها الطبيعيين، أي البيض تحديداً، في مواجهة «عدو» خارجي يتكون من اللاجئين والمهاجرين. وبعبارة أخرى، فإن اعتقاد القوميين البيض في هذا الشأن يقوم على سيناريو الخوف من فناء العرق الأبيض بشكل أساسي، بسبب وصول غرباء «آخرين» وصعودهم اجتماعياً واقتصادياً داخل المجتمع ذاته. ويزعم القوميون البيض أن التهديد كبير للغاية، بحيث إن العنف الشديد ضد هذا العدو المفترض ليس مبرراً فحسب، بل هو مطلب ضروري من أجل حماية البلاد والمجتمع مما يرونه تهديداً وجودياً لهما معاً.
وبالمقابل، وفي حمأة نقاش متجدد، قال رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب الأميركي، النائب الديمقراطي عن ولاية كاليفورنيا، «آدم شيف»، إن «الإرهاب الذي يمارسه متطرفو البيض خطر قائم وحقيقي. ليس علينا أن نعيش هكذا. لا نريد أن نترك إخواننا الأميركيين يموتون هكذا. الحقيقة البشعة هي أن إرهاب أنصار تفوق العرق الأبيض خطر حقيقي وداهم. وعندما يستخدم بعض القادة لغةً عنصريةً أو مهينةً لوصف المهاجرين على أنهم غزاة، فإن رجالاً مسلحين غاضبين ومعزولين يستمعون ويتخذون ما يرونه من إجراءات مناسبة».
كما اعتبرت مسؤولة الأمن القومي السابقة بوزارة العدل الأميركية، «ماري ماكورد»، أن ما تشهده الولايات المتحدة من عنف مسلح يمثل «مشكلة أخلاقية». وقالت، في تصريحات صحفية، إن «الهيئات الأميركية العامة ووكالات إنفاذ القانون، لا تتعامل مع الهجمات الجماعية الداخلية، بما فيها تلك المرتبطة بالعنصرية ومعاداة السامية، بالاهتمام والإدراك نفسه اللذين تتعامل بهما مع الهجمات التي ينفذها أجانب». وختمت قائلة: «يميل الأميركيون إلى ربط الإرهاب بالتطرف الإسلامي، ولا يحاولون ربطه بجماعات تفوق العرق الأبيض، وهو ما يتعين عليهم فعله الآن».
لقد أظهر اليمين الأميركي المتطرف درجة عالية من حركية التنظيم ومن قوة التأييد لسيادة البيض في الولايات المتحدة. ويبقى من غير الواضح حتى الآن كيف ستتعامل الولايات خلال المستقبل القريب مع المساعي الرامية لتكريس تفوق العرق الأبيض. وفي هذا السياق، استخلص تقرير لـ«إن بي سي نيوز»، كتبه «سايمون كلارك»: «نحن نعلم بالفعل أن هذه الظاهرة حقيقية ومتنامية، فقد تحدث مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (كريستوفر وراي) أمام الكونغرس، العام الماضي، وأكد أنه للمرة الأولى يحقق المكتب في أكبر عدد من القضايا الإرهابية اليمينية المتطرفة، التي كان مصدرها من الداخل، مثلها في ذلك مثل قضايا المتطرفين في الدول الإسلامية».