ربما تكون حالة نادرة أو استثنائية، أن تجتمع ثلاث قمم سياسية مهمة في وقت واحد، ومكان واحد، وللغرض ذاته تقريباً.
القمم التي عقدت في مكة المكرمة، بجوار البيت العتيق، في أوآخر الشهر الفضيل المنصرم، لها تبريرها ودلالاتها وخصوصيتها وروحانيتها، وقدسيتها أيضاً، وهي القمة الخليجية الطارئة، والقمة العربية الاستثنائية، والقمة الإسلامية العادية، التي كان مقرراً عقدها سلفاً في مكة المكرمة. وعُقدت هذه القمم التي حضرتها 58 دولة عربية وإسلامية، برعاية وإدارة خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز. ورغم التباينات الطفيفة والاعتراضات الهامشية التي حاولت تعكير الأجواء النقية والصافية، فالمفارقة أن هذه القمم إنما عقدت أصلاً لتعالج المعضلة التي تعاني منها الدول المتحفظة على القرارات نفسها (شر البلية ما يضحك). فمنهم مَن قال لم أُدع، ومنهم مَن قال لم يؤخذ برأيي في الختام، ومنهم مَن قال لم أطلع على بنود اختتام القمم.. ولم يعلم هؤلاء القلة القليلة المعترضون أنهم سبب الداء والمشكلة والمعضلة التي عقدت القمم من أجلها، لحلحلة الأمور التي ساهموا في تعقيدها، لينطبق عليهم المثل القائل: «إذا كنت لا تدري فهي مصيبة، وإذا كنت لا تدري بأنك لا تدري فالمصيبة أعظم»، أو «رب عذر أقبح من ذنب»!
لقد جعلوا من أنفسهم أضحوكة أمام العالم، لخروجهم على الإجماع بحثاً عن بطولات وهمية، على حساب دينهم وقوميتهم ومحيطهم العربي، منسلخين عن قيمه وعاداته وتقاليده ومنهجه ومجتمعه، وليرتموا في أحضان المحتل الأجنبي، في وضع رخيص وبائس وذليل.
ورغم تصرفات بعض الشواذ عن هذه القمم، إلا أن هناك إجماعاً كاملاً ورضى شاملاً على مجمل مخرجات القمم الثلاث، وآليات تنفيذ قراراتها والالتزام بها، والتي اتفق عليها الجميع بالأغلبية لنصرة العرب والمسلمين في العالم. لذلك فقد مثلت قمم مكة منعطفاً إيجابياً مهماً لمسار قضايا الأمتين العربية والإسلامية، حيث صدرت قرارات حاسمة وواضحة تصل إلى درجة التهديد، بمقاطعة الدول المعتدية على حرمات ومقدسات وحقوق العرب والمسلمين في أي مكان، وكذلك إدانة واضحة وصريحة من دون لبس لأعمال التخريب والإرهاب والقرصنة، التي تهدد أمن وسلامة الملاحة الدولية في المنطقة، وقد استنكر المؤتمرون بالقمم الثلاثة التصرفات العدوانية المرفوضة من قبل كل الأنظمة والقوانين والأعراف، وتضامنوا مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، حيال الاعتداءات الآثمة من قبل النظام الإيراني، الذي أمعن في استفزازاته منذ عدة سنوات، واستمر في خلق القلاقل بالمنطقة منذ مجيء نظام الملالي إلى الحكم عام 1979، حيث عمل على شل حركة التنمية بالحروب العسكرية والنزعات الطائفية والمذهبية والتدخلات الإقليمية!
فمرة، يحتل جزراً عربية، ومرة يغزو دولة عربية، ومرة أخرى يريد «تصدير الثورة»، عبر مليشياته الطائفية التي تخلت عن هويتها الوطنية، وركبت موجة الطائفية المقيتة لتعيث فساداً وتخريباً.
ولا زالت المنطقة تعاني من هذا المرض العضال والداء المستشري، الذي تمدد وتغلغل بشكل بالغ الخطورة، كالسرطان الخبيث الذي يأكل الجسد ويقضي عليه. لقد فرّخ النظام الإيراني شياطينه (المعممة) التي تعممت بالسواد في أكثر من مكان، كسواد قلوبها وحقدها الأسود على الدول والمجتمعات والشعوب!
ألم يحن وقت اجتثاث هذا المرض الوبائي الخطير الذي يريد الفتك بالجسد العربي؟!
*كاتب سعودي