شهد قطاع غزة خلال العام الماضي تصاعداً مأساوياً في وتيرة العنف، مما أدى إلى خسائر بشرية ومادية جسيمة.
 ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة، فقد قُتل أكثر من 48,000 فلسطيني، ويشكل النساء والأطفال حوالي 70 في المئة من هذا العدد. و
بالإضافة إلى ذلك، أُصيب أكثر من 98,000 شخص، مع وجود ما يزيد على 12,000 مفقود تحت الأنقاض.

و
تسببت هذه الأحداث في نزوح حوالي 1.8 مليون شخص، وتدمير ما يقرب من 86% من البنية التحتية في القطاع، 
بما في ذلك المنازل، والمدارس، والمستشفيات.. إلخ. وأمام هذه الكارثة الإنسانية، تبرز الحاجة الملحّة لوقف إطلاق النار الفوري والشامل. 


إن استمرار العنف لا يؤدي إلا إلى زيادة المعاناة وتعميق الجراح، مما يهدد مستقبل الأجيال القادمة 
ويقوّض فرص السلام والاستقرار في المنطقة. ووقف إطلاق النار ليس مجرد إجراء مؤقت، بل هو خطوة أساسية 
لتهيئة البيئة المناسبة لبدء عمليات إعادة الإعمار وتأهيل البنية التحتية المدمَّرة.


وإلى جانب إعادة بناء المباني والمرافق، يجب التركيز على بناء الإنسان وتأهيله نفسياً واجتماعياً، 
فالأطفال الذين شهدوا ويلات الحرب بحاجة إلى دعم نفسي متخصص لمساعدتهم على تجاوز الصدمات
 وعلى استعادة شعورهم بالأمان، كما أن النساء، اللواتي فقدن أزواجهن أو تعرضن للتشريد، يحتجن إلى برامج 
تمكين اقتصادي واجتماعي لضمان استقلاليتهن وقدرتهن على رعاية أسرهن.


إن إعادة التأهيل تشمل أيضاً توفير فرص التعليم والتدريب المهني للشباب، لتمكينهم من بناء مستقبل أفضل
 وللمساهمة في تنمية مجتمعهم. والتعليم هو السلاح الأقوى لمكافحة الجهل والتطرف، ومن خلاله يمكن 
غرس قيم التسامح والتعايش السلمي. 
وفي هذا السياق، يجب على المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته وتقديم الدعم اللازم لجهود إعادة الإعمار والتأهيل في قطاع غزة المدمر.
 وبالطبع فإن ذلك 
يتطلّب توفيرَ التمويل الكافي، وكذلك تنسيق الجهود بين المنظمات الدولية والحكومات، لضمان وصول المساعدات
 إلى مستحقيها بفعالية وشفافية. وعلاوة على ذلك، ينبغي العمل على تعزيز ثقافة الحياة والأمل بين سكان غزة، والتخلص من ثقافة الموت 
واليأس التي خلفتها سنوات الصراع. ويمكن تحقيق ذلك من خلال إطلاق مبادرات ثقافية وفنية تعيد إحياء التراث 
وتعزز الهوية الوطنية، بالإضافة إلى تنظيم فعاليات رياضية واجتماعية تجمع الناس وتعيد بناء النسيج الاجتماعي.




إن الاستثمار في الإنسان هو الاستثمار الأهم والأكثر استدامةً. ومن خلال تمكين الأفراد وتزويدهم بالمهارات 
والفرص، يمكن تحويل مسار المجتمع من دائرة العنف والدمار إلى طريق التنمية والازدهار. 
وهذا التحول لن يعود بالنفع فقط على غزة، بل سيعزز الاستقرار والسلام في المنطقة بأسرها.
لا يمكن تحقيق السلام الحقيقي دون معالجة الجذور العميقة للصراع وتلبية احتياجات السكان المتضررين. 
ووقف إطلاق النار، وإعادة الإعمار، وتأهيل الإنسان.. خطوات مترابطة وأساسية لبناء مستقبل مشرق يخلو من العنف والمعاناة. ويجب على الجميع، سواء أكانوا أفراداً أم حكومات، العمل معاً لتحقيق هذا الهدف النبيل وضمان حياة كريمة وآمنة
 لأبناء غزة وللأجيال القادمة.

*كاتب أردني مقيم في بلجيكا