في أول جلسة عقدها مجلس الوزراء اللبناني، الثلاثاء الماضي، برئاسة رئيس الجمهورية جوزيف عون، بعد تشكيل الحكومة برئاسة نواف سلام، تم تشكيل لجنة لإعداد البيان الوزاري الذي على أساسه ستنال الحكومةُ ثقةَ مجلس النواب. وتواجه اللجنة التحدي الأكبر متمثلاً في تضمين بيانها موضوعين مهمين: المقاومة والفساد. والعيون شاخصة إلى هاتين الفقرتين، فإما أن يجري تفكيكهما، وإما أن تنفجرا تباعاً. لكن التوقع الأرجح أن البيان سيأتي متناغماً مع خطاب القَسم للرئيس عون إثر انتخابه، أي على «صورته ومثاله».

وقد ناقش الوزراء مواجهةَ التحديات الاقتصادية والمالية والأمنية، في ضوء المشكلات والقضايا الشائكة، التي قطع الرئيس عون تعهداً بمعالجتها، وهي تركز على بناء الدولة القادرة لمواجهة «أزمة حكم وحكام، وعدم تطبيق الأنظمة أو سوء تطبيقها وتفسيرها وصياغتها، ويفترض فيها تغيير الأداء السياسي لحفظ أمننا وحدودنا، وفي سياساتنا الاقتصادية». وبما أن ثقة مجلس النواب وحدها، لا تكفي،، فإن لبنان بأمسّ الحاجة اليوم للحصول على ثقة المجتمعَين العربي والدولي، حتى تتمكن حكومته من إعادة الإعمار، وإقامة أفضل العلاقات مع الدول الصديقة والشقيقة، وبناء شراكات استراتيجية مع دول المشرق والخليج العربي على الخصوص. وتحقيق ذلك يتطلب تنفيذَ سيادة حكم القانون والدستور، كي يكون جميع اللبنانيين تحت سقف القضاء، حيث لا مافيات ولا بؤر أمنية ولا تهريب أو تبييض أموال أو تجارة مخدرات، ولا تدخّل في القضاء، ولا حماية لمجرم أو فاسد أو مرتكب انتهاكات.

ويبقى العدل هو الفاصل، والحصانة الوحيدة. وفي هذا الإطار ستعمل الحكومة على إقرار قانون جديد لاستقلالية القضاء. ومن هنا، انطلق مصرف لبنان للسير نحو هدفين: الأول استئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي الذي رحبت مديرته كريستالينا جورجيفا باكتمال عقد المؤسسات الدستورية، مؤكدةً دعمَ لبنان، ومعربةً عن رغبتها في زيارته قريباً. وهناك معلومات تشير إلى إمكانية رفع المساعدة من قرض بـ 3 مليارات دولار إلى نحو 8 مليارات. لكن الأمر يتوقف على مدى التقدم في إنجاز الإصلاحات المالية والاقتصادية المطلوبة. أما الهدف الثاني الذي لا بد من تحقيقه لاستعادة لبنان ثقة المجتمع الدولي به، فهو الخروج من «اللائحة الرمادية» لمجوعة العمل المالي الدولية (مينا فاتف)، وهي اللائحة التي أُدرج فيها لبنان بسبب مماطلته في إقرار التشريعات والإصلاحات المالية، وتجاهل المطالب والمعايير الدولية، وتقاعس سلطاته السياسية السابقة عن تنفيذ القوانين المتعلقة بمكافحة غسيل الأموال تمويل الإرهاب. وهذا مع العلم بأن إزالة لبنان من هذه اللائحة، تسهم في تعزيز الثقة بالنظام المالي اللبناني، وفي جذب الاستثمارات. وفي هذا السياق، أصدر «المركزي» تعميمين أساسيين (165و168)، لتعزيز الشفافية المالية والامتثال التنظيمي، تماشياً مع التزامات لبنان الدولية، وهي التزامات جادة بحماية النظام المصرفي من الاستغلال في عمليات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، عبر تبني سياسات وإجراءات رقابية أكثر صرامة وفعالية. وفي هذا الخصوص، يؤكد حاكم «المركزي» بالإنابة، وسيم منصوري، أن قرار «مينا فاتف» لم يتضمن أيَّ ملاحظات سلبية بشأن أداء مصرف لبنان، بل كان التقصير في أغلبيته ناتجاً عن ضعف أداء الطبقة السياسية، وعدم تنفيذ الإصلاحات الهيكلية المطلوبة.

ولذا، وعلى الرغم من أن إجراءات مصرف لبنان تعد خطوة ضرورية، وهي تشمل الإصلاحات النقدية والرقابية، فإنها غير كافية وحدها للخروج من «اللائحة الرمادية»، والذي يتطلب من الدولة اللبنانية إصلاحات تشريعية، مثل تحديث قوانين مكافحة الفساد وتبييض الأموال، وكلها تتعلق بإرادة الطبقة السياسية، بما يشكل العقبة الأساسية أمام تحسين وضع لبنان المالي.

*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية