جاء إعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بتسمية العام الحالي «عام المجتمع» ترسيخاً للنسيج المتميز لمجتمع الإمارات. وهنا نتوقف قليلاً لنلقي الضوء على مصطلح «المجتمع» من منظور علم الاجتماع.
فهناك تعريف للمجتمع بأنه مجموعة كبيرة من الأشخاص الذين يعيشون معاً بطريقة منظمة، ويتخذون القرارات حول كيفية القيام بالأشياء ويتشاركون العمل الذي يجب القيام به. ويُشير تعريف آخر للمجتمع بأنه مجموعة من الأشخاص الذين يعيشون معاً من أجل مساعدة بعضهم البعض في عيش الحياة وتحسين ظروفهم.
ويُقسم علماء الاجتماع نماذج المجتمعات إلى خمسة نماذج رئيسية. النموذج الأول مجتمعات الصيد والتجمع، وهي مجتمعات صغيرة وبسيطة يمتهن فيها أفراد المجتمع مهنة الصيد وجمع الطعام. وتتسم تلك المجتمعات بالمساواة إلى حد ما، نظراً لأن جميع الناس هناك لديهم ممتلكات قليلة، بجانب العزلة النسبية للعائلات والأفراد، وصغر حجم المجتمع، واعتماد العيش على الموارد المتاحة بسهولة مثل النباتات والحيوانات في البيئة المحيطة، وشيوع نمط الحياة البدوي.أما النموذج الثاني للمجتمعات فهو المجتمع البستاني والرعوي.
وهو أكبر من مجتمع الصيد والتجمع، ويقوم على زراعة المحاصيل بأدوات بسيطة، بينما تقوم المجتمعات الرعوية بتربية الماشية. وكلا النوعين من المجتمعات أكثر ثراء من مجتمعات الصيد والتجمع، كما أنهما يعانيان قدراً أكبر من التفاوت والصراع مقارنة بمجتمعات الصيد والتجمع. والنموذج الثالث هو المجتمعات الزراعية، حيث تسود زراعة المحاصيل، وذلك بفضل استخدام الثيران والمحاريث وغيرها من الأجهزة.
وتتميز تلك المجتمعات بأنها أكثر ثراء ولديها درجة أعلى من الصراع وعدم المساواة مقارنة بالنموذج الثاني. أما النموذج الرابع فهو المجتمعات الصناعية التي تتميز بالمصانع والآلات. وهي أكثر ثراء من المجتمعات الزراعية ويسودها إحساس أكبر بالفردية ودرجة أقل إلى حد ما من عدم المساواة، التي لا تزال كبيرة. ثم يأتي النموذج الخامس وهو مجتمعات «ما بعد الصناعة». وتتميز هذه المجتمعات بتكنولوجيا المعلومات والوظائف الخدمية.
ويتميز التعليم العالي في تلك المجتمعات بأهمية خاصة لتحقيق النجاح الاقتصادي. ويتميز مجتمع الإمارات بصورة عامة بانتقاله من النموذج المجتمعي، الذي يعتمد على مزيج من نموذجي الصيد والتجمع، والبستاني والرعوي، إلى نموذج «ما بعد الصناعة» في زمن قياسي مع استمرار اتسام المواطنين بسمات المجتمع البدوي، وأبرزها النُبل والشهامة والنخوة العربية الأصيلة. ولذلك جاء قرار رئيس الدولة، حفظه الله، بالتأكيد على تعزيز الروابط داخل الأسر والمجتمع من خلال تنمية العلاقات بين الأجيال وتهيئة مساحات شاملة ترسخ قيم التعاون والانتماء والتجارب المشتركة، بالإضافة إلى الحفاظ على التراث الثقافي. أضف إلى ذلك، العمل على تشجيع جميع من يعتبر الإمارات وطناً له على الإسهام الفاعل في المجتمع من خلال الخدمة المجتمعية، والتطوع، والمبادرات المؤثرة التي تُرسخ ثقافة المسؤولية المشتركة وتدفع عجلة التقدم الجماعي.
كما يركز «عام المجتمع» على إطلاق الإمكانيات والقدرات لدى الأفراد والأسر والمؤسسات عبر تطوير المهارات، ورعاية المواهب، وتشجيع الابتكار في شتى المجالات، ومنها ريادة الأعمال والصناعات المستقبلية مثل الذكاء الاصطناعي. والهدف الأسمى لتلك المبادرات جميعها هو استدامة النمو، بما يحقق أثراً إيجابياً مستداماً يسهم في قصة بناء الوطن.