حتى نفهم ماذا يريد الرئيس الأميركي دونالد ترامب من غزة، يجب أن نفهم عقيدة «ترامب» السياسية، وماذا يجري في الولايات المتحدة الأميركية، وهي تخسر على ما يبدو سباقها الأهم للهيمنة على العالم، وستتنازل عن عرشها للصين، التي لديها نمو سنوي يتراوح بين 6% – 9% مقابل 2.3 لأميركا التي تعاني من أزمات اقتصادية طاحنة، فالولايات المتحدة الأميركية، تعتبر الدولة التي لديها أكبر ديْن سيادي في العالم وأكبر دائنيها هما اليابان والصين، وما تحصله الحكومة من ضرائب، يذهب لتلك الدول وخاصةً الصين.
إذاً هي مسألة لا تحتاج إلى جدال بحسب اعتقادي، وذلك وفقاً للأرقام الاقتصادية لبلد يطبع النقود دون غطاء، والدين الوطني لديه هو الأكبر في العالم، ومعظم الشعب مدين وصديق وفي ودائم لبطاقات الائتمان، وكل ما يصنّعه تأتي أهم أجزائه من مصانع من الخارج، وحتى التكنولوجيا المتقدمة للغاية، أصبح منافسوها على بعد خطوة من إنهاء احتكارها لأهم أسرار الصناعات فائقة الدقة مثل: الرقائق الذكية الفائقة التي تتعلق بالذكاء الاصطناعي، وكما ذكر لي صديق من الصين - وهو بروفسور مميّز في أهم الجامعات الصينية التي تتفوق في الذكاء الاصطناعي- أن الصين قد بدأت قبل 35 عاماً بأخذ الكتب والمواد والمراجع، التي كانت تدرّس في أبرز الجامعات الأميركية، وترجمتها للغة الصينية وتدرّيسها كما هي حتى وصلت الجامعات الصينية إلى مرحلة نضج معرفي تقني جعل ما يدرّس في الصين اليوم وخاصةً في الذكاء الاصطناعي، هو الأكثر تميزاً في العالم، ولذلك تتصدر جامعاتها المراكز الثلاث الأولى في التصنيفات العالمية في هذا التخصص.
كما أن انهياراً اقتصادياً عالمياً يلوح في الأفق القريب، وبالتالي لابد للولايات المتحدة من مخارج وحلول غير تقليدية، وموقف «ترامب»، حيال غزة هي خطوة بائسة لإعادة التمركز لمواجهة الصين وجني الأموال الطائلة من ثروات غزة البحرية وموقعها المميز، وهي جزء من المثلث الاستراتيجي لعمق الأمن الإسرائيلي القومي إلى جانب الجولان وجنوب لبنان، ومن الغفلة أن يحلم العرب والمسلمون بحلٍ عادل للقضية الفلسطينية في ظل الوصاية السياسية الجبرية. 
موقف دونالد ترامب بشأن غزة انعكاس لسابق سياساته المعلنة كاعترافه بالقدس عاصمةً لإسرائيل في عام 2017، ونقل السفارة الأميركية إلى هناك، دون معالجة القضية الفلسطينية وتهميش القضية الفلسطينية التقليدية في الدبلوماسية الإقليمية، وهو الذي جاء بصفقة القرن التي فشلت في 2020، كما خفّضت إدارة ترامب التمويل الأميركي لوكالة الأمم المتحدة لدعم اللاجئين الفلسطينيين«أونروا» مما أثّر على المساعدات الإنسانية لغزة، كما دعّم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وبكل الوسائل المتاحة لها دون الرجوع للقوانين الدولية، وغالباً ما ألقى باللوم على القيادات الفلسطينية في معاناة غزة، وماذا عن تصنيف «حماس» وفق المصالح الأميركية والمنظور الأميركي بين «جماعة إرهابية» و«فصيل سياسي»؟!
كما وكانت إدارة «ترامب» إبان فترة حكمه الأولى قد أعلنت أن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية ليست غير قانونية بطبيعتها بموجب القانون الدولي، وهو الموقف الذي أعلنه وزير الخارجية «مايك بومبيو» في عام 2019، وهو الذي اعترف بالسيادة الإسرائيلية على أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، بما في ذلك وادي الأردن، وعرضت هذه الإدارة على الفلسطينيين حكماً ذاتياً محدداً بشروط صارمة، كما اعترف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان في عام 2019، بالإضافة للدعم العسكري والاستراتيجي غير المحدود.
بالمقابل أحداث غزة تبدو وكأنها خطة مدروسة لإنهاء الحلم الفلسطيني، ولكن هل سينهي آلاف الفلسطينيين النازحين، الذين استأنفوا العودة إلى شمال غزة ذلك المخطط؟ وما تفسير الاستعراض الذي تجريه «حماس» في هذا الصدد؟ وهل بعض قيادات «حماس» جزء من الصفقة؟ وما هي المكاسب التي حققتها «حماس» للقضية الفلسطينية وفق الواقع والحقائق؟ وهل كانت أحداث السابع من أكتوبر مقاومة أم المفتاح السحري للنكبة الثانية للشعب الفلسطيني اليوم؟ ونتساءل ماذا يريد ترامب وماذا سيفعل!

*كاتب وباحث إماراتي في التعايش السلمى وحوار الثقافات