في 20 يناير الفائت، صادف تنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مع افتتاح اجتماعات المنتدى الاقتصادي العالمي في«دافوس» بسويسرا، والتي استمرت خمسة أيام. وقد وصفت هذه المصادفة، بأنها تعكس لحظة محورية في السياسة والاقتصاد العالميين، حيث تبرز أهمية الصراع بين القومية والعولمة، واتجاه السياسة الخارجية الأميركية ومستقبل التعاون الدولي.
ووفق «تقرير الأخطار العالمية 2025» الصادر عن المنتدى، يتصدر الصراع المسلح وأخطاره «الجيوسياسية»، المرتبة الأولى، بعدما كان في المرتبة الثامنة، بين أهم الأخطار العشرة العالمية، وذلك لما تسببته الأزمة الأوكرانية، وحروب الشرق الأوسط بين إسرائيل وغزة ولبنان، وحرب السودان. أما المواجهة «الجيو اقتصادية» مثل الحروب التجارية والرسوم الجمركية، فقد احتلت المرتبة الثالثة، مع تراجع الأخطار الاقتصادية، بانخفاض معدلات التضخم وخطر الركود.
ولكن أشار التقرير صراحة إلى أن التصعيد المستمر في التوترات التجارية بين القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة والصين، كان له تأثير كبير في الاقتصاد العالمي، وتسبّب في تراجع الثقة بالنظام التجاري. لقد سبق أن أعلن الرئيس ترامب إثر انتخابه أنه ضد الحروب.
وهو سيستأنف تنفيذ خطته التي بدأها في ولايته الأولى، بإطلاقه «الاتفاقيات الإبراهيمية» لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي وإحلال السلام في الشرق الأوسط، ومتطلعاً إلى الفوز بجائزة «نوبل العالمية للسلام». على الرغم من أنه ألمح منذ بداية ولايته، إلى فرض حواجز تجارية شاملة، برسوم جمركية تتراوح بين 10في المئة و60 في المئة.
ويشير تقرير نشرته صحيفة «واشنطن بوست» إلى أن الرئيس الأميركي كثّف استخدام التعريفات الجمركية والعقوبات الاقتصادية لتحقيق أهداف تصب بمصالح أميركية، مستهدفاً بذلك الحلفاء والخصوم على حد سواء، وهو ما يمكن أن تكون له نتائج عكسية، حيث تنبع استراتيجية ترامب من اعتقاده بأن الدول الأخرى تستغل الولايات المتحدة، وعليها استخدام قوتها الاقتصادية لعكس الأمر. ونقل التقرير تحذيرات خبراء من أن يؤدي ذلك، إلى تنفير الحلفاء، وتحفيز الدول على إجراءات مقابلة ضد المنتجات الأميركية، وإنشاء أنظمة مالية بديلة عن الدولار، وتقويض النفوذ الاقتصادي الأميركي. ورافق تلك التطورات، مخاوف من اندلاع حروب تجارية، مع تحذيرات من صندوق النقد والبنك الدوليين.
وحتى بنك التسويات الدولية حذر بدوره من نشوب حرب تجارية واسعة النطاق، وهو «سيناريو خطر ملموس». وفي هذا السياق أعد الاتحاد الأوروبي الذي يحرص على تجنب حرب تجارية شاملة، مجموعة خيارات من الحوافز والإجراءات المضادة للرد على الإجراءات الأميركية، علماً بأن الولايات المتحدة هي الشريك الأكبر للاتحاد، إذ تبلغ قيمة التجارة الثنائية نحو 8.7 تريليون دولار. أما مديرة منظمة التجارة العالمية نغوزي أوكونغو إويلا، فقد حذّرت من أن أي حروب تجارية متبادلة، سيكون لها عواقب كارثية على النمو العالمي.
ولوحظ أن الصين، وهي المستهدف الأكبر من الإجراءات الأميركية، كان لها موقف «متصالحٌ»، على لسان نائب رئيس الوزراء دينغ شياو شيانغ الذي أكد أن بلاده مستعدة للسعي وراء «التجارة المتوازنة»، وموضحاً بأنه «لا يوجد فائزون في حرب تجارية، ونريد أن ندخل في مرحلة جديدة من العولمة، تكون أكثر ديناميكية وإستدامة، وتحقق المنفعة المتبادلة». تبقى الإشارة إلى أن الرئيس ترامب لم يوقع أوامر تنفيذية لفرض التعريفات الجمركية فوراً، لكنه أصدر مذكرة طلب فيها من الوكالات الفيدرالية تقييم سياسة التجارة الأميركية، ومنحها مهلة حتى أبريل المقبل لتقديم نتائجها وتوصياتها، تمهيداً لفرض التعريفات الجديدة.
*كاتب لبناني متخصّص في الشؤون الاقتصادية.