يتسابق الباحثون المتخصصون بالمجالات الأكثر رواجاً على نشر نتائج بحوثهم في المجلات العلمية التي تُصنَّف ضمن مجموعات النخبة، وتسجل أعلى معدلات اقتباسات، ومن ثَمَّ تُعد مجلات موثوقاً بها، ويعود إليها الأكاديميون لأغراض التعليم الجامعي، والتطوير الذاتي، والاطلاع على أحدث المستجدات في التخصصات الدقيقة. وبسبب الضغوط الزمنية والمهنية، قد يتجاوز باحثون عن بعض أدوات التأكد من دقة النتائج، التي قد تستغرق زمناً إضافياً يصل إلى أشهر عدة، أو تتطلب موارد بشرية إضافية، خاصة في بعض الموضوعات المتخصصة والمعقدة، التي لم يُدرَّب الذكاء الاصطناعي عليها حتى الآن تدريباً كافياً يرقى إلى الدقة المطلوبة، مثل التلوث الكيميائي الطبيعي في الخزانات المائية الجوفية المحصورة وغير المحصورة في المناطق الجافة، وعلاقتها بالأحواض الرسوبية ذات الأعماق التي لم تُحدد في دراسات سابقة، إذ إن نتائج هذا النوع من البحوث -التي تُنشَر من دون تحري اختبارات الدقة، ومناقشة مجموعة كافية من الخبراء- قد يكون ظاهرها مقنعاً وباهراً، ولكن الأخطاء الكبرى فيها لا تُرى إلا بعد تمحيص جيد، أو خسارة مالية تتبع تطبيق توصيات ذُكرت في بحث لم يخضع للمراجعة، وتحري الدقة تحرياً وافياً.
إن تمحيص نتائج البحث العلمي، وطرقه، وبروتوكولاته، وتحديث ما يلزم منها، يستغرقان زمناً قد يؤخر نشر نتائج البحث، ومن ثَمَّ قلة عدد البحوث المنشورة في ملف الباحث، وهو ما يؤرق الباحثين الشباب. ولكن الحقيقة أن جودة البحث، وصحة مخرجاته، واستمرار منطقية محتواه مهما مر من سنوات، وعدم وجود أخطاء تلغي ما جاء فيه بعد مدة قصيرة أو طويلة، تستحق جميعها هذا المجهود الإضافي والوقت المستهلك.
ويزداد احتمال حدوث الأخطاء العشوائية أو المنتظمة في نتائج بحثٍ ما بعدد من العوامل، مثل وجود خبير واحد، أو إجراء اختبار دقة واحد، أو قلة البحوث المنشورة في المجال عينه للمنطقة الجغرافية نفسها، أو عدم التعاون المهني المرن، ذلك أن هذا النوع من التعاون يرتقي كثيراً بمستوى نتائج البحوث عبر تقبل إدخال التغييرات المتنوعة، وفي مرات متعددة للوصول إلى نتائج ذات جودة ومنطقية عاليتين مهما استنزف ذلك من وقت وجهد، ومهما أدى إلى تغييرات جذرية في محتوى الأفكار والمعتقدات والنتائج والمقترحات التي كانت تحتويها النسخ الأولى من البحث، والتي ربما كانت تبدو رائعة برغم الأخطاء التي لم يُنتبَه إليها.
إن وجود نتائج باهرة، في النسخ الأولى من البحث، ومطابِقة لنتائج مناطق جغرافية أخرى من العالم لا يعني بالضرورة صحة هذه النتائج، فلربما كانت قيمة البحث في نتيجة تثبت عكس ما كان يعتقده الباحث، أو في تخصيص سمات في المنطقة المدروسة مختلفة عن سمات مناطق أخرى، ومن هنا تأتي قيمة استمرارية البحث العلمي للوصول إلى النتائج الفُضلى، والإجابات الأوضح، والتقنيات الأكثر فاعلية.
كما أن الباحث يكتسب ثقة المجتمع العلمي محلياً ودولياً عن طريق تحري الدقة والمنطقية باستخدام الأدوات المناسبة، وإشراك الخبراء، ومناقشة العلماء، ويطور نتائجه تبعاً لذلك، ومن هنا تصبح بحوثه موثوقاً بها، وذات مرجعية صلبة وسمعة طيبة تعود بالنفع عليه وعلى مكان عمله ووطنه.
*أستاذ مشارك في قسم علوم الأرض. مدير المركز الوطني للمياه والطاقة- جامعة الإمارات العربية المتحدة