تمثل دولة الإمارات العربية المتحدة نموذجاً رائداً في مجال الابتكار والبحث العلمي على مستوى المنطقة؛ إذ شهدت السنوات الأخيرة تطوراً ملحوظاً في تسجيل براءات الاختراع. وتُعدُّ الإمارات من الدول التي حققت تقدماً ملحوظاً في تسجيل البراءات، سواء في المكاتب المحلية، أو العالمية، مثل مكتب براءات الاختراع والعلامات التجارية الأميركي (USPTO)، ومكتب براءات الاختراع الأوروبي (EPO)، وغيرها. وتشمل هذه البراءات ابتكارات في قطاعات متعددة، منها القطاعان الصناعي والتعليمي.
وعلى الرغم من هذا الإنجاز؛ فإن التحدي يكمُن في تعزيز استفادة الاقتصاد الإماراتي منه بشكل مباشر؛ ففي ظل عدم وجود منصة موحَّدة تجمع كل براءات الاختراع المسجلة محليّاً وعالميّاً من قِبل الأفراد والمؤسسات في دولة الإمارات، تبقى فرص استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر في منظومة البحث والتطوير محدودة.
إن إنشاء منصة وطنية موحَّدة لبراءات الاختراع - تجمع وتعرض كل الابتكارات المسجلة على الصعيدين المحلي والعالمي- يمثل خطوة استراتيجية لتعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر؛ إذ ستكون هذه المنصة بمنزلة نافذة تعرض القدرات الابتكارية لدولة الإمارات، وتمكِّن المستثمرين الأجانب والشركات المتعددة الجنسيات من الاطلاع على براءات الاختراع الإماراتية، والتعرُّف على المجالات التي يمكنهم الإسهام، أو الاستثمار فيها.
وتتيح هذه المنصة للمستثمرين والشركات فرصة الوصول إلى حلول تقنية مبتكَرة يمكن تحويلها منتجاتٍ وخدماتٍ تجاريةً؛ ما يدعم نمو الشركات الناشئة، ويحفز القطاعات الصناعية المختلفة. وربما تصبح هذه المنصة عامل جذب رئيسيّاً للشراكات البحثية والتجارية؛ ما يفتح أبواب التعاون بين الجامعات الإماراتية، والمراكز البحثية العالمية.
ويعزز وجود منصة موحَّدة دور الجامعات والمؤسسات البحثية؛ إذ يشجعها على تحويل البحوث العلمية من المختبرات إلى السوق؛ وفي هذا السياق تصبح الجامعات مراكز رئيسية للابتكار؛ تسعى إلى تسجيل براءات اختراع ذات جدوى اقتصادية وتطبيقية.
وإضافةً إلى ذلك؛ فإن المنصة الموحَّدة ستسهم في تعزيز البحث العلمي بصفته قوة ناعمة تعزِّز مكانة دولة الإمارات عالميّاً؛ فهي ليست مجرد منصة تقنية، بل أداة استراتيجية لدعم الاقتصاد القائم على المعرفة عن طريق البحث والتطوير.
وقد تثمر هذه الخطوة إنشاء مدن حرة استثمارية على غرار المدن الحرة في مجالات الإعلام، أو الإنترنت؛ وبذلك قد تصبح لدى دولة الإمارات مدينة حرة استثمارية متخصصة بالبحث والتطوير، وتضم مراكز بحثية عالمية ومحلية تجمع بين القطاعين الصناعي والأكاديمي، إلى جانب مستثمرين من مختلف أنحاء العالم. كما ستسهم هذه المدينة في إنتاج العديد من البحوث وبراءات الاختراع التطبيقية التي تعزز الاقتصاد الإماراتي، وتدعم مسيرته التنموية.
وستنقل هذه المنصة الاقتصاد الإماراتي إلى مرحلة أكثر تقدماً في اقتصاد المعرفة عن طريق اعتماد الابتكار ركيزةً أساسيةً للتنمية المستدامة؛ وستدعم جذب الاستثمارات الأجنبية التي تبحث عن بيئة ابتكارية توفر حلولاً تقنية متقدمة، وفرص تعاون فريدة.
وفي الختام تمثل المنصة الموحَّدة لبراءات الاختراع الوطنية فرصةً استراتيجيةً لتحفيز الاستثمار الأجنبي المباشر، وتعزيز البحث العلمي، وتكريس مكانة دولة الإمارات بصفتها وجهة رائدة في الابتكار والاقتصاد المعرفي؛ وتتيح مثل هذه الخطوة للدولة الإسهام في خلق بيئة اقتصادية تنافسية تدعم النمو المستدام، وتعزز مكانتها العالمية في البحث والتطوير.
*مستشار جمعية المهندسين