خلق الله الأرض بتوازن دقيق بين مكوناتها، وبتنوع يضمن التناغم بين البشر والنبات والحيوان والكائنات الأخرى.

وكلما وصل الإنسان إلى أقصى علوم الفلك والاختراعات المذهلة، وآخرها الذكاء الاصطناعي وتداعياته، إلا أنه يظل غير قادر على التحكم في الطبيعة أو كبح تقلباتها، وهذا يظهر بوضوح عند التعرض للكوارث الطبيعية مثل الزلازل والبراكين، وأيضاً لتقلبات مناخية مثل الفيضانات الناجمة عن الأمطار الغزيرة، وجميعها كوارث تنجم عنها خسائر فادحة.. في الولايات المتحدة الأميركية، وتحديداً في ولاية كاليفورنيا، اشتعلت الحرائق المرعبة في الأسبوع الأول من العام الجديد، لتأكل الأخضر واليابس، وتتحول الغابات إلى لهب مخيف، بعدما كانت سياجاً يحمي المدن من الحرارة والأتربة والتصحر، هذه الغابات حولت بعض مناطق لوس أنجلوس إلى جحيم من لهيب النار المستعرة في القصور والمباني والأشجار، وتهرب الناس بأرواحها وتترك البيوت وممتلكاتها وهي تفر من لهيب الحرائق إلى مدن أكثر أمناً.

وعلى الرغم من كل ما لدى الولايات المتحدة الأميركية، وما وصلت إليه من علم ومعرفة وخبرات، إلا أنها لم تستطع كبح نيران الحرائق، وهي نيران طبيعية أحرقت الغابات والمباني ومولدات الكهرباء في مدينة لوس أنجلوس، ويعلن مسؤولو إدارة المدينة أنهم عاجزون عن وضع حد لهذه النيران المستمرة التي وصفوها بالجحيم، لأنها قضت على الغابات المكتظة بالأشجار العالية الكثيفة، وما قاموا به من إطفاء للحرائق لا يصل إلى 8 بالمئة من حجم النيران الملتهبة التي تسير بسرعة وغير قادرين على إخمادها أو إيقافها.

الكارثة دفعت الحزبيْن الرئيسين في الولايات المتحدة الأميركية إلى تبادل التهم وإلقاء كل طرف اللوم على الآخر، وتحميله مسؤولية الفشل في إخماد الحرائق وإطفائها، وقدرت خسارة الولايات المتحدة بـ 150 مليار دولار حسب تصريحات أميركية.

ويبدو أن أرقام الخسائر في ازدياد، خاصة مع ارتفاع الخسائر في المباني والمصانع والبيوت التي تركها أصحابها بسبب النيران، وبعضهم من الشخصيات الثرية جداً. دروس مهمة ينبغي استيعابها جراء هذه الكارثة، لعل العالم كله يتعاضد في تحليل ودراسة أسباب الكارثة وخطورتها، وتدرك وتتعلم الدول كيف تستطيع إخماد الحرائق وإطفاءها والسيطرة عليها قبل أن تأكل كل ما عليها.

وبعض الخبراء فسروا الكارثة بأن سببها الرياح الشديدة، والبعض يقول إنها استفحلت بسبب عدم قطع التيار الكهربائي أثناء الحرائق، ما ساعد في اشتعال النيران وجعلها أكثر ضرراً! هذه الكوارث والخسائر الفادحة، تأتي نتيجة عدم الاكتراث بالطبيعة أو أخذ الخطوات اللازمة لدرء الضرر المتوقع حال وقوع الكوارث الطبيعية.

وبالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، يغامر كثيرون بتدشين المنازل في السهول المنخفضة وقرب وديان الأنهار، ووسط الغابات، غير مبالين بأن الطبيعة إذا غضبت تحرق وتنسف كل من يعاندها أو يعتدي عليها. والخلاصة أن تقلبات الطبيعية بما تحمله من ظواهر مناخية كارثية، تستوجب إعداد العدة لمثل هذه الأحداث المرعبة، عبر الدراسة والتحليل، ضمن مهمة تقوم بها مراكز الدراسات والبحوث والجهات المعنية بالتخطيط لإدارة الأزمات، بهدف التصدي لهذه الكوارث قبل استفحالها.

* كاتب سعودي