تأسست جامعة الدول العربية كمنظمة إقليمية عربية عام 1945.  وكانت الغاية من تأسيسها خلق كيان عربي وإقليمي فاعل لتمثيل العالم العربي في الإطار العربي، في ظل تعدد التحالفات الدولية والإقليمية وتنوعها، وللدفاع عن مصالح الدولة العربية وحماية سيادتها وتعزيز حضورها وتحقيق استقلالها وبناء مستقبل شعوبها، ولتعمل كمنصة للتعاون والتنسيق بين الدول العربية في العديد من المجالات الحيوية سواء على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وقد انطلقت مسيرة التأسيس للجامعة بعضوية السعودية وسوريا والعراق ولبنان والأردن واليمن ومصر والمغرب، ولتبلغ عضوية الجامعة العربية اليوم 22 دولة، تمثل حيث المساحة الثانية عالمياً، والرابعة عالمياً من حيث عدد السكان.

وقد واجهت الجامعة العربية خلال مسيرتها التي ستكمل في مارس القادم ثمانين عاماً الكثير من التحديات والعديد من الأخطار التي هددت استمرار كيانها وعملها، إلا أنها استطاعت التغلب على كل تلك التحديات، وأنْ تستمر في عملها وتستقطب المزيد من الدول، وتعزز حضورها الدولي والإقليمي، إضافة إلى تطوير آليات عملها بما يحقق الأهداف والغايات التي أنشأت الجامعة من أجلها.ورغم كل مشاهد التطور والنمو الذي يمكن رصده على صعيد عمل الجامعة العربية، فإنها تواجه العديد من التحديات والأزمات التي بدأت في الماضي واستمرت كما واجهت تحديات جديدة وطارئة على مستقبل الجامعة، والتي يمكن حصرها في العديد من المجالات الرئيسية لعمل الجامعة، كتعزيز العمل الجماعي الذي يتطلب تحسين آليات اتخاذ القرار داخل الجامعة ليصبح أكثر شمولية وفعالية، وهو ما يتطلب العمل على إصلاح ميثاق الجامعة لتجاوز مبدأ الإجماع الذي عطّل الكثير من القرارات المهمة والحيوية في عمل ومسيرة الجامعة، ومعالجة العديد من أزماتها العربية، إضافة إلى تعزيز التزام الدول بقرارات الجامعة المتخذة، وتعزيز الثقة المتبادلة بين مختلف الدول الأعضاء.

كما أن من أبرز التحديات المستمرة طوال مسرة الجامعة هي معالجة النزاعات الإقليمية، والتي تتطلب من الجامعة تفعيل دورها بشكل فاعل وناجع يسهم في معالجة العديد من النزاعات المنتشرة بالدول الأعضاء، والتي من أهمها الصراعات المسلحة في كل من ليبيا والسودان واليمن، إضافة إلى سوريا التي يجب أن تبادر الجامعة العربية وبشكل عاجل إلى تعزيز دورها المحوري في حفظ الأمن والسلام والاستقرار فيها، وإبعاد التدخلات والأجندات الإقليمية الدولية كافة، التي قد تسهم في إثارة النزاعات البينية أو جعل سوريا بؤرة للتوترات الإقليمية والدولية، وهو ما يتطلب إنشاء آلية دائمة للوساطة وحل النزاعات العربية اعتماداً على آليات قانونية تنسجم مع مبادئ ميثاق الجامعة والقانون الدولي وتحقق العدالة والسلام والتنمية.

وعلى الصعيد الاقتصادي، هناك حاجة ماسة إلى تعزيز البنية التحتية الاقتصادية المشتركة، وتشجيع التعاون بين مختلف الدول الأعضاء في مجالات الطاقة والزراعة والتكنولوجيا والاستثمار، وبما يسهم في تحسين رفاهية الدول، ويعزز من تنميتها الذاتية وتقليل تبعيتها الاقتصادية للخارج، إضافة إلى تعزيز ريادة الدول العربية في العديد من القطاعات المستقبلية، كالبرامج المعنية بعلوم الفضاء والبحوث البيئية، والمبادرات الدولية المعنية بحماية المناخ وتطوير التقنيات الحديثة وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وتعزيز دور الشباب في قيادة مختلف مؤسسات وقطاعات الجامعة.

ولعل أهم ما يجب على الجامعة العربية القيام به الآن، هو تعظيم الموارد المالية المخصصة للجامعة العربية، كونها العصب الرئيسي الذي سيعيد للجامعة قوتها وفعاليتها، ويسهم في تعظيم دور وإسهامات الجامعة في تحقيق آمال وتطلعات الدول والشعوب التي آمنت وما زالت ترى في الجامعة العربية دوراً لليوم وأملاً للغد.

*كاتبة إماراتية.