مع اشتداد موجة البرد في نصف الكرة الأرضية الشمالي يزداد الطلب على مصادر الطاقة، لكن أسواقها تبدو هادئة. هذا الهدوء حاصل رغم أن قدراً من التدفقات يتعرقل جراء إغلاق روسيا أنابيب صادراتها إلى عدد من دول أوروبا بسبب الحرب الدائرة في أوكرانيا.
وتعرّض ناقلات النفط والغاز للإيقاف والاحتجاز، وهي تعبر مضيق هرمز، وأخرى لاعتداءات مباشرة، والحرق والإغراق في بحر العرب وخليج عدن، وباب المندب من قبل «الحوثيين» في اليمن، بما يحمله ذلك من تهديد لتدفقات مصادر الطاقة من دول الخليج العربي إلى الأسواق العالمية. وبينما تستمر كل من روسيا وأوكرانيا في حربهما الضروس تبدو روسيا مصممة على إيقاف صادراتها إلى الدول التي تدعم أوكرانيا في الحرب، وهي لديها أهداف استراتيجية أكثر عمقاً أهمها، معاقبة الدول الداعمة لأوكرانيا عن طريق التضييق عليها في قطاع الطاقة.
تداعيات الحروب الدائرة في عدد من مناطق العالم على أسواق النفط لم تتضح بعد بكامل تفاصيلها، لكن الآثار التي تخلفها هذه الحروب الخطيرة على السلامين الإقليمي والعالمي تطال الجميع. وهي أينما تقع وحينما تقع تقلل المعروض من النفط والغاز في الأسواق، وهو نقص يؤدي إلى تحمل المستهلكين، دولاً وأعمالاً خاصة وأفراداً المزيد من الأعباء المالية والضغوط السياسية والاقتصادية والنفسية. وبالنسبة للأفراد على المستوى الشخصي، وفي حياتهم اليومية من وسائل مواصلات وتدفئة منزلية يكبدهم تقليل المعروض، مبالغ نقدية إضافية تنتهك ميزانياتهم بما لا طاقة لهم به.
أما أصحاب الأعمال الخاصة، فنقص الطاقة يزيد تكلفة الإنتاج، ما يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم المالي إلى مستويات قياسية تؤثر سلباً في جميع قطاعات الاقتصاد الصناعية والزراعية والنقل والتصدير، ما قد يؤدي إلى إفلاس العديد منها، وخروجها من السوق. وطالما أن الحروب مشتعلة، فإن موضوع الطاقة سيبقى ملفاً مفتوحاً يثير الجدل، لكن الدول والبشر والاقتصاد العالمي سيبقى كل طرف منهم أكثر إجهاداً مع استمرار أمد الحروب. وتبدو الصورة حالياً بأن العالم الصناعي، والدول المستوردة للنفط والغاز على مدار العالم منقسمة إلى فئتين، إحداهما قامت الحكومات فيها بإبلاغ شركات تجارة الطاقة لديها بأنها لن تقوم بشراء النفط والغاز ذي الأسعار المرتفعة من الأسواق الفورية، في حين أن دولاً أخرى، كألمانيا وفرنسا توجه التجار لديها بشرائه من أية جهة في العالم، وبالأسعار السائدة لسد النقص لديها، الناتج عن توقف الإمدادات الروسية.
وبالإضافة إلى ذلك يتخذ عدد من الشركات العالمية إجراءات فردية تقوم عن طريقها بتحويل مسار الإمدادات المتجهة إلى الشرق لكي تتجه إلى دول أوروبا في محاولة لسد النقص الحاصل عن توقف ضخ النفط والغاز من روسيا إلى أوروبا. الدول المنتجة للنفط والغاز، بالإضافة إلى الشركات، سواء العاملة في الإنتاج، أو في تجارة وتسويق النفط والغاز تسعى إلى الإبقاء على الأوضاع على النحو الذي هو عليه، لأن لديها محاذير بأن أية ارتفاعات حادة في أسعار الأسواق الفورية يمكن أن تكون لها تداعيات سلبية على الأسواق العالمية، إذ قد يتم اللجوء إلى وسائل بديلة أقل تكلفة، أو أن المستهلكين قد يستسلمون لإغراءات التخزين الادخاري. والأسوأ هو أن تبقى دول «أوبك» المتشددة تعزز الاستفادة من ارتفاع الأسعار لرفع الإنتاج.
ومع ذلك، فمن المدهش أن الحروب الدائرة حالياً تؤثر في الإمدادات إلى الأسواق العالمية سلباً بحجم لا يستهان به، لكنها لم يؤد إلى ارتفاعات غير عادية في الأسعار تثير القلق. إن الكثير سيعتمد على السرعة وعامل الزمن الذي ستستغرقه الحروب الدائرة، سواء في أوكرانيا أو اليمن أو غيرها، وسيبقى الغموض في أسعار وأسواق الطاقة هو سيد الموقف.
*كاتب إماراتي