في حدث غريب «وغامض» هز العالم وفاجأ النظامَ السوري وحلفاءَه، تحركت جماعات المعارضة السورية المسلحة لإسقاط نظام بشار الأسد، وأخذت تمد سيطرتها على مناطق ومحافظات سوريا واحدةً تلو الأخرى، وبدأ معها الجيش السوري في الانسحاب تاركاً المناطق والمواقع التي كانت تحت سيطرته.

وقبل أن يتم استيعاب ما يحدث في الساحة السورية، كانت تلك القوى تحتفل بانتصارها من قلب العاصمة دمشق، في حين اختفت كل شخوص وأركان النظام، ليصحو العالَم على خبر مغادرة بشار الأسد سوريا متوجهاً إلى روسيا التي طلب اللجوء الإنساني فيها. وفي استعادة للأحداث التي مرت بها الأزمة السياسية السورية، والتي تعد أكثر الأزمات تعقيداً وتأثيراً في المنطقة، بدأت الأزمة في أعقاب ما سمي «الربيع العربي» في عام 2011، وسرعان ما تحولت مطالب الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي إلى مطالبات بإسقاط النظام نفسه، ثم تسارعت الأحداث وصولاً بالأزمة إلى صراع مسلح، انخرطت فيه العديد من القوى السياسة والعسكرية. وتعقد الصراع بتدخل القوى الإقليمية والدولية، وأطراف خارجية لها امتدادات وتوجهات متطرفة.

وقد واجه النظام السوري تلك المطالبات والاحتجاجات بالقوة، وهو ما حوّلها إلى صراع مسلح. وفي بلد مثل سوريا له امتداداته وأزماته الداخلية والخارجية، تدخلت الأطراف الخارجية في الصراع القائم بين النظام وشعبه، وأصبحت سوريا ساحة لصراع المصالح والأجندات الإقليمية والدولية، وهو ما جعل الوضع أكثر تعقيداً وفتح البابَ واسعاً لمزيد من التدخلات الخارجية؛ فدعمت كل من روسيا وإيران بشار الأسد سياسياً وعسكرياً، بينما دعمت الولايات المتحدة وتركيا وبعض الدول الإقليمية قوى المعارضة، ووجدت بعض الجماعات الإرهابية والمتطرفة الساحة مفتوحةً أمامها، مثل تنظيمي «داعش» و«النصرة» اللذين يدينان بالولاء لتنظيم «القاعدة»، وهو ما زاد من تعقيد الأزمة وأسهم في استمرار الحرب لفترة طويلة.

وبعد أن تعذر على نظام بشار الأسد الوصول إلى حلول معقولة، وبعد عجز الدول العربية عن الدفع نحو تسوية مقبولة، قررت الجامعة العربية تعليق عضوية سوريا في الجامعة عام 2011، قبل أن تمنحها لقوى المعارضة في عام 2013، ودعت لتدخل الأمم المتحدة التي بادرت بتنسيق جهودها لتحقيق تسوية سلمية للأزمة وإنهاء الصراع المسلح، ولتبدأ مفاوضات السلام بين نظام الأسد والأطراف المنخرطة في الصراع، لكن كل تلك المحاولات فشلت، واستمر الصراع المسلح على وقع المفاوضات وفي غيابها. واستطاعت مفاوضات «أستانا» اتباع منهجية تغليب المصالح وتثبيت المكتسبات، وهو ما أوجد أرضية مقبولة ومناسبة لجميع الأطراف ولو مؤقتاً، وتحققت في الوقت نفسه الغايات المستهدفة للقوى الداعمة وأجنداتها، وهي الصيغة التي اعتقد الجميع أنها القاطرة التي ستصل بسوريا إلى بر الأمان.

إلا أن قوى المعارضة السورية تحركت وحققت خلال أيام ما عجزت عن تحقيقه طوال سنوات، وذلك بعد ما يبدو أنه توافقات إقليمية ودولية، واستطاعت إزاحة نظام بشار الأسد الذي لم يستفد من كل الفرص التي قُدمت له، ليتم استبداله بنظام يتم بناؤه وتشكيله الآن حسب توافقات ورغبات وأجندات الأطراف السورية والإقليمية والدولية، والتي نأمل ألا تنتج لنا حالةً عربية أخرى من «نظام اللادولة» وألا تتحول البلاد إلى بؤرة صراع إقليمي أخرى في قلب العالم العربي المنهك أصلاً بأزماته الكثيرة.

* كاتبة إماراتية