عندما يتعلق الأمر بالمصطلحات المتداولة حول المناخ، ربما أصبح مصطلح «صافي الصفر» الأكثر استخداماً بشكل مفرط، وربما هو أيضاً المصطلح الذي يتعرض أكثر لسوء الفهم.
يدرك الكثيرون أن الوصول إلى صافي انبعاثات كربونية صفرية يعد أمراً أساسياً لتحقيق أهداف درجة الحرارة المتفق عليها في اتفاقية باريس. لكن، كم منا يفهم بالفعل ما يعنيه ذلك؟
قام مجموعة من العلماء الذين طوروا مفهوم «صافي الصفر» قبل 15 عاماً بنشر دراسة جديدة في مجلة «نيتشر» يحذرون فيها من أن الاعتماد الكبير على المصارف الكربونية الطبيعية لمعادلة انبعاثات الوقود الأحفوري هو سوء فهم للفكرة الأصلية. وتصحيح هذا المسار أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى، خاصة في ظل التطورات التي شهدها مؤتمر «كوب 29»، والتي تطرقت إلى أسواق الكربون، ما قد يشجع المزيد من الخلط بين انبعاثات الوقود الأحفوري وآليات الامتصاص الطبيعي للكربون.
دعوني أوضح لكم المصطلحات المستخدمة. يشير مصطلح «صافي الصفر» إلى فكرة مفادها تحقيق التوازن بين انبعاثات الكربون بحيث لا نزيد من تركيز الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي. هناك معادلات تقنية واردة في الدراسة، لكن معادلة مبسطة لتوضيح المفهوم الأساسي لصافي الصفر ستكون:
الانبعاثات البشرية + تغييرات استخدام الأراضي البشرية = صفر
تلعب المصارف الكربونية -مثل المحيطات والغابات وأراضي الخث (المناطق الرطبة بالمستنقعات الكبيرة)- دوراً رئيسياً في امتصاص وتخزين الكربون. لكن اعتمادنا على هذه الموارد الطبيعية لموازنة معادلة الانبعاثات يقود إلى صيغة تبدو كالتالي:
الانبعاثات البشرية + تغييرات استخدام الأراضي البشرية - أحواض الكربون السلبية = صفر
ولكن هذا يطرح بعض المشاكل.
قد تؤدي المعادلة الثانية إلى تثبيت مستوى ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، لكنها لا تمنع استمرار الاحترار. السبب في ذلك هو أن الكوكب يمتص حالياً طاقة شمسية أكثر مما يتم تصريفها إلى الفضاء. على المدى الطويل، قد يحدث توازن عندما تمتص المحيطات العميقة الحرارة الزائدة، لكن هذا قد يستغرق قروناً، وفي هذه الأثناء، سيستمر ارتفاع درجات الحرارة.
تشير الورقة البحثية إلى أنه إذا تم تثبيت مستوى الغازات الدفيئة بالغلاف الجوي عند مستويات اليوم، فإن مستوى الاحترار العالمي المحتمل سيتجاوز درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الصناعة وهذا من شأنه أن يحملنا إلى ما هو أبعد كثيراً من هدف اتفاق باريس.
لحسن الحظ، يشير العلماء إلى أن تقليل مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بواسطة المصارف الطبيعية للكربون قد يحد من الاحترار المستمر.
لذلك، تُعتبر إزالة الكربون ضرورية لضمان استقرار المناخ لصالحنا ولصالح الأجيال القادمة. لكنّ هناك دورين مختلفين هنا - تعويض الانبعاثات المستمرة الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري، وتنظيف الضرر الذي تسببنا فيه بالفعل. لا يمكن للغابات والمحيطات أداء كلا المهمتين في آنٍ واحد.
وهذا صحيح بشكل خاص حيث يعمل تغير المناخ على زعزعة استقرار أحواض الكربون لدينا. فقط انظر إلى نيويورك، حيث اشتعلت حرائق جينينجز كريك لأكثر من أسبوع. كما أطلقت حرائق الغابات الكندية في عام 2023 أكثر من 645 مليون طن متري من الكربون في الغلاف الجوي، وهو ما يعادل الانبعاثات السنوية للدول الكبرى، حيث تطلق الهند والصين والولايات المتحدة فقط المزيد من الكربون سنوياً.
عندما نحرق الوقود الأحفوري، فإن التلوث الناتج يبقى في الغلاف الجوي لفترة تتراوح من بين 300 و1000 عام من دون تدخل. لم نعد نستطيع القول بأن الكربون المخزن في أشجارنا سيدوم لفترة طويلة كهذه.
هذا لا يعني أنه لا يوجد مكان لأي تعويضات في معادلة صافي الصفر، لكن المعيار يحتاج إلى أن يكون أعلى.
قال مايلز ألين، أستاذ علوم النظم الجيولوجية بجامعة أكسفورد والمؤلف الرئيسي للتقرير، إن الهدف بحلول منتصف القرن يجب أن يكون «صافي صفر جيولوجي» - مما يعني أن «أي كربون لا يزال يخرج من الأرض يجب أن يعود إلى التخزين الدائم».
للأسف، معايير المناخ العالمية تشجع الدول والشركات على الاعتماد على الطبيعة للقيام بالعمل الشاق المتمثل في إزالة الكربون.
في تقييمها لإزالة ثاني أكسيد الكربون الناتج عن الأنشطة البشرية،، تستبعد الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) صراحةً امتصاص ثاني أكسيد الكربون الطبيعي الذي لا يسببه البشر بشكل مباشر. ولكن أنظمة الإبلاغ الأخرى، بما في ذلك قوائم الجرد الوطنية لانبعاثات الغازات الدفيئة، تسمح بإدراج المصارف السلبية كإزالة إذا حدثت على «أرض مُدارة»، والتي يمكن للدول تحديدها بنفسها.
هذه الثغرة الصغيرة تعني أنه يمكننا خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري إلى النصف دون بذل أي جهد. على سبيل المثال، يمكن لروسيا أن تقول إنها وصلت إلى صافي انبعاثات صفرية ببساطة عن طريق احتساب غاباتها الشاسعة كأراض مُدارة. في الواقع، هذه هي خطتها الأساسية. في خطة العمل المناخي لعام 2020، قالت إنها ستخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 70% مقارنة بمستويات عام 1990 بحلول عام 2030، مع «أخذ أقصى قدرة استيعاب ممكنة للغابات والنظم البيئية الأخرى في الاعتبار».
إذاً كيف نمضي قدماً؟ يجب أن يكون هناك تمييز أكبر بين عمليات الإزالة «البيولوجية» عبر أحواض الكربون والانبعاثات «الجيولوجية» من الوقود الأحفوري في تقارير المناخ والأهداف، ولا ينبغي استبدال طن من أحدهما بطن من الآخر.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»