في باكو عاصمة أذريبيجان، تنطلق اليوم الاثنين 11 نوفمبر، وعلى مدار 12 يوماً، فعاليات المؤتمر التاسع والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «كوب 29» أملاً في خطوة جديدة بمجال التمويل، والبناء على المبادرات التاريخية التي أطلقتها الإمارات في «كوب 28».

وتشير منصة «العمل المناخي» في الأمم المتحدة إلى أن التمويل سيكون المحور الرئيسي في «كوب 29»، فهناك حاجة إلى تريليونات الدولارات لكي تتمكن البلدان من خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بشكل كبير وحماية الأرواح وسبل العيش من الآثار المتفاقمة لتغير المناخ.

«كوب 29» فرصة كبيرة لدول العالم كي تقدم خطط العمل الوطنية المحدثة للمناخ بموجب اتفاق باريس، والتي من المقرر أن تكون بحلول أوائل عام 2025، فإذا تم تنفيذها بشكل صحيح، فإن هذه الخطط من شأنها أن تحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة ومضاعفة خطط الاستثمار لتعزيز أهداف التنمية المستدامة.

  • «كوب 29».. أمل جديد لحل معضلة «التمويل المناخي»

إنجازات «كوب28»

شهدت فعاليات «كوب 28» مبادرات مهمة لتعزيز التمويل المناخي، سواء من المؤسسات الدولية المانحة، أو من دولة الإمارات العربية المتحدة، التي استضافت مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين في مدينة إكسبو دبي خلال الفترة (30 نوفمبر - 13 ديسمبر 2023)، حيث أعلن البنك الدولي آنذاك عن زيادة قدرها 9 مليارات دولار سنوياً، للسنوات 2024 و2025، لتمويل المشروعات المتعلقة بالمناخ، وأعلنت بنوك التنمية متعددة الأطراف الأخرى عن زيادة إضافية في الدعم المقدم للعمل المناخي بقيمة تتجاوز 22.6 مليار دولار. وخلال «كوب 28» تم الإعلان عن تعهدات دولية بقيمة 3.5 مليار دولار لتجديد موارد صندوق المناخ الأخضر، و134 مليون دولار لصندوق التكيّف، وتقديم 129.3 مليون دولار لصندوق البلدان الأقل نمواً، وتم تقديم 31 مليون دولار للصندوق الخاص لتغير المناخ. وجاء إطلاق إعلان الإمارات ليبني على مجموعة من الإنجازات المهمة في ملف التمويل المناخي، ومنها تجديد تمويل صندوق المناخ الأخضر، والوفاء بالتعهدات السابقة التي صدرت منذ أكثر من عقد بتوفير 100 مليار دولار للتمويل المناخي لمساعدة البلدان الأكثر تعرضاً لتداعيات تغير المناخ، والاتفاق بشأن تمويل الصندوق المناخي العالمي المختص بمعالجة الخسائر والأضرار. وكان الصندوق الإنجاز الأول الذي حققته الإمارات في مؤتمر «كوب 28»، واستهلت تمويله بمبلغ 100 مليون دولار، ما حفّز مساهمات دولية أخرى خلال انعقاد المؤتمر لتبلغ حصيلة المساهمات في نهايته 792 مليون دولار.
صندوق «ألتيرّا»
خلال «كوب 28» أعلنت دولة الإمارات تأسيس صندوق ألتيرّا الاستثماري، وهو أكبر صندوق خاص للتمويل المناخي، وتعهدت بتقديم 110 مليار درهم «30 مليار دولار» للصندوق، وذلك بهدف جمع وتحفيز نحو 920 مليار درهم «250 مليار دولار» من استثمارات القطاع الخاص بحلول 2030، وسيجمع صندوق ألتيرّا التمويل من القطاعين الحكومي والخاص لتوجيه الاستثمارات نحو دعم الحلول المناخية على مستوى العالم، وخاصةً في دول الجنوب العالمي.

وخلال أسبوع المناخ في نيويورك، الذي انعقد في سبتمبر الماضي، أشار معالي الدكتور سلطان أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، رئيس مؤتمر الأطراف «كوب 28»، رئيس مجلس إدارة صندوق «ألتيرّا» للاستثمار للمناخي، إلى أن صندوق «ألتيرَّا» تأسس لتلبية الحاجة الملحة إلى تعزيز فرص التصنيع الأخضر والعمل المناخي، وهو أكبر صندوق استثماري تحفيزي في العالم يركز بالكامل على العمل المناخي، مضيفاً أنه استثمر منذ إطلاقه 6.5 مليار دولار في عدد من أكبر صناديق الأسواق الناشئة المختصة بالمناخ التي يديرها شركاء الصندوق «بلاك روك» و«تي بي جي» و«بروكفيلد»، الذين تركز جهودهم على جذب مزيد من المستثمرين بهدف تمويل مشروعات بقدرة إجمالية تفوق 40 غيغاواط من الطاقة النظيفة عبر خمس قارات. تمويل الطاقة النظيفة في أفريقيا وتعهدت الإمارات خلال «كوب 28»، بتقديم 735 مليون درهم «200 مليون دولار» إضافية من حقوق السحب الخاصة إلى «الصندوق الاستئماني للصلابة والاستدامة» التابع لصندوق النقد الدولي بهدف تعزيز المرونة المناخية في البلدان النامية، بالإضافة إلى تعهدها بتقديم 16.5 مليار درهم «4.5 مليار دولار» لتعزيز مشروعات الطاقة النظيفة في أفريقيا.
«المركز العالمي للتمويل المناخي»
وخلال النسخة الخاصة من «أسبوع أبوظبي للاستدامة» التي انعقدت أثناء فعاليات «كوب 28»، أطلقت الإمارات في الأول من ديسمبر 2023، «المركز العالمي للتمويل المناخي»، كمركز ومؤسسة فكرية مستقلة لإجراء بحوث على القطاع الخاص، وبناء القدرات لتحفيز الاستثمارات منخفضة الانبعاثات وسريعة النمو على المستويين الإقليمي والعالمي. المركز يقع مقره الرئيسي في سوق أبوظبي العالمي، وتتمحور وظائفه على إجراء الأبحاث ووضع السياسات وتحفيز الابتكار في مجالات التمويل العالمي للعمل المناخي. ونجحت الإمارات من خلال استضافتها ورئاستها للنسخة الـ28 من مؤتمر الأطراف في حشد تمويل مناخي يزيد على 85 مليار دولار، تضمنت أهدافاً مفصلية من بينها: دعم الطاقة المتجددة من أجل زيادة قدرتها الإنتاجية، وتطوير النظم الغذائية والزراعية، وتقليل انبعاثات قطاع التبريد، والحد من انبعاثات الميثان.
قصة التمويل.. وحكايات الأرقام
البلدان النامية تحتاج ما بين 500 مليار دولار وتريليون دولا سنوياً، لتمويل احتياجاتها لمواجهة التغير المناخي، بما يعادل 5 أضعاف الالتزام السنوي الحالي البالغ 100 مليار دولار. وتتجدد قضية تمويل الدول النامية في مواجهة تداعيات التغير المناخي. المتخصصون أطلقوا على مؤتمر الأطراف في باكو عاصمة أذريبيجان «كوب المالي»، لكونه يطمح لإطلاق هدف عالمي جديد للتمويل المناخي. فكيف بدأت قصة التمويل؟ في عام 2009 وافقت الدول المتقدمة على توفير 100 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2020 لمساعدة البلدان النامية على خفض الانبعاثات وبناء القدرة على مواجهة تداعيات التغير المناخي. استناداً إلى المادة التاسعة من «اتفاقية باريس» واتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتغير المناخي. الدعم المالي المنشود يتضافر مع مساعدات فنية، تتلقاها الدول النامية من خلال «شبكة سانتياغو»، التي تأسست أثناء انعقاد «كوب 25» في تشيلي عام 2019 لتحفيز المنظمات والهيئات على تقديم المعونة الفنية والحد من الخسائر والأضرار الناجمة عن تغير المناخ. وفي تقرير صدر في 4 نوفمبر الجاري يوضح «أونكتاد» «مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية» أن التمويل المناخي العالمي يتطلب قفزة نوعية من حيث الكم والنوع لتلبية احتياجات الاقتصادات النامية من أجل التحول العادل نحو الاستدامة والقدرة على الصمود. البلدان النامية تحتاج -حسب «أونكتاد»- إلى1.1 تريليون دولار لتمويل المناخ اعتباراً من عام 2025 ونحو 1.8 تريليون دولار بحلول عام 2030، علماً بأن العمل المناخي المنشود في هذه الدول يتضمن إجراءات التخفيف والتكيف مع تداعيات التغير المناخي وإدارة «الخسائر والأضرار».
خسائر اقتصادية وغير اقتصادية
وحسب تقرير أصدره «معهد الموارد العالمية» في مايو الماضي، تواجه البلدان النامية تحدياً كبيراً في تمويل «الخسائر والأضرار» الناجمة عن التغير المناخي. وتشير التقديرات إلى أن التكاليف الاقتصادية وحدها ستصل إلى ما بين 447 و894 مليار دولار سنويا بحلول عام 2030. وهذا دون الأخذ في الاعتبار الخسائر والأضرار غير الاقتصادية، مثل فقدان التراث الثقافي. ويحث التقييم البلدان المتقدمة ويشجع البلدان الأخرى على تقديم الدعم للأنشطة الرامية إلى معالجة الخسائر والأضرار. إن العديد من التقييمات لاحتياجات تمويل المناخ العالمي، بما في ذلك تقييمات فريق العمل الدولي المعني بالتغير المناخي، تتضمن بالفعل الخسائر والأضرار في تقديراتها. ومن الضروري استكشاف آليات لمعالجة الفجوة التمويلية. ومن الأهمية بمكان أيضاً ضمان ألا تؤدي زيادة تكاليف «الخسائر والأضرار» إلى تفاقم فجوات تمويل أهداف التنمية المستدامة القائمة، مما يعوق التقدم نحو تحقيق جدول أعمال أهداف التنمية المستدامة. يجب أن تسير زيادة التمويل للخسائر والأضرار جنباً إلى جنب مع تطوير وتنفيذ مسارات طويلة الأجل للقدرة على الصمود والتنمية المستدامة. نأمل أن تتوافق قرارات «كوب 29» مع احتياجات البلدان التي ساهمت بأقل قدر في أزمة المناخ ولكنها تعاني من أسوأ آثارها.

  • «كوب 29».. أمل جديد لحل معضلة «التمويل المناخي»

لحظة حاسمة في «كوب 29»

استنتج تقرير صدر في 8 نوفمبر الجاري، وأعده «مركز تحويل أهداف التنمية المستدامة» بالتعاون مع معهد جامعة الأمم المتحدة للبيئة والأمن البشري، ومبادرة ميونيخ للتأمين على المناخ، أن الاتفاق على الهدف الكمي الجماعي الجديد لتمويل المناخ هو لحظة حاسمة في «كوب 29» الذي ينطلق غداً في باكو عاصمة أذربيجان. الهدف الكمي الجماعي الجديد من المقرر أن يحل محل الهدف السنوي الحالي البالغ 100 مليار دولار الذي حددته قمة كوبنهاجن للمناخ «كوب 15» عام 2009، من أجل تعبئة موارد إضافية لتمويل المناخ. كما سيكون له آثار مباشرة على النطاق المستقبلي لصندوق الخسائر والأضرار، الذي تم تفعيله في «كوب 28» لدعم البلدان الأكثر ضعفاً التي تواجه الآثار الضارة لتغير المناخ.

في عام 2024، تم التوصل إلى العديد من المعالم الحاسمة لتشغيل صندوق الخسائر والأضرار، أهمها: تعيين مجلس إدارة الصندوق، واختيار أول مدير تنفيذي له، وتحديد البلد المضيف، وهو الفلبين، إلى جانب المنظمة المضيفة، البنك الدولي. ومع وجود هذه الترتيبات المؤسسية، يتعين على الصندوق الآن أن يركز على الأسئلة المحورية التي من شأنها أن تشكل تأثيره في المستقبل: من ينبغي له أن يساهم في الصندوق، وكيفية ضمان دفع البلدان «حصة عادلة»، وكيف ينبغي تخصيص الأموال، من بين اعتبارات أخرى.

ويؤكد التقرير أن المجتمع الدولي، قبل معالجة هذه الأمور، يحتاج إلى الاتفاق على منهجية مشتركة لتحديد تكاليف الخسائر والأضرار- الاقتصادية (المباشرة، مثل الأضرار التي لحقت بالهياكل الأساسية، وغير المباشرة، مثل خسائر الإنتاج) وغير الاقتصادية (مثل الخسائر في الأرواح، والهوية الثقافية، والآثار على الصحة والرفاه، والتشرد).

وحتى الآن، ركزت معظم أساليب تقدير «الخسائر والأضرار» على التكاليف الاقتصادية الناجمة عن الظواهر الجوية المتطرفة، متجاهلة إلى حد كبير التكاليف الناجمة عن العمليات البطيئة الظهور (مثل ارتفاع مستوى سطح البحر، والتصحر، وتراجع الأنهار الجليدية) فضلا عن التكاليف غير الاقتصادية. ونتيجة لذلك، فإن التقديرات المتاحة لتكاليف «الخسائر والأضرار» غير متجانسة.

وعلاوة على ذلك، لم تول تقييمات تكاليف الخسائر والأضرار سوى القليل من الاهتمام للدول الجزرية الصغيرة النامية، على الرغم من أن تغير المناخ يفرض تهديدات كبيرة على سكانها وأصولها وبنيتها الأساسية. ولتلبية الحاجة إلى منهجية مقبولة بشكل عام، وضع مركز تحويل أهداف التنمية المستدامة التابع لشبكة حلول التنمية المستدامة إطاراً متكاملاً لمساعدة البلدان على تحديد التكاليف الناجمة عن المناخ، وتقييم مسؤولياتها، وتقاسم عبء تمويل التكيف و«الخسائر والأضرار» بشكل عادل. تم تقديم هذا الإطار في ورقة عمل نشرت مؤخراً بعنوان «التكيف والخسارة والضرر: صندوق عالمي لتأثير المناخ من أجل العدالة المناخية».
تقدير الخسائر والأضرار
وفي الآونة الأخيرة، أطلق مركز تحويل أهداف التنمية المستدامة SDSN، بالتعاون مع معهد البيئة والأمن البشري التابع لجامعة الأمم المتحدة، مشروعاً لتقدير التكاليف الاقتصادية وغير الاقتصادية لتأثير المناخ (أي تكاليف الخسائر والأضرار) الناجمة عن الظواهر الجوية المتطرفة والعمليات البطيئة الظهور للدول الجزرية الصغيرة النامية. وهذه البلدان، التي تسهم بأقل قدر في انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية، هي في الخطوط الأمامية لتغير المناخ. وسيتم استخدام إطار اقتصاديات التكيف مع المناخ (ECA) لتقدير الآثار الحالية والمستقبلية للأخطار الطبيعية (مثل الفيضانات والأعاصير والأعاصير المدارية والعواصف) والأحداث الناجمة عن المناخ (مثل ارتفاع مستوى سطح البحر) على أصول مختارة على نطاقات جغرافية مختلفة (مدينة أو منطقة أو بلد). وسيقيم المشروع أيضاً كيفية تأثير تكاليف التكيف و«الخسائر والأضرار» على فجوات تمويل أهداف التنمية المستدامة الحالية في الدول الجزرية الصغيرة النامية المختارة، وسيحلل ما إذا كان تمويل التنمية الحالي كافياً لتعويض تكاليف الصدمات المناخية. وإذا لم تصل الأموال إلى اللازم، فسوف يستكشف المشروع الآليات المحتملة لمساعدة البلدان على معالجة هذه الفجوات التمويلية.

وفي الأسبوعين المقبلين، ستحدد الدول الأعضاء مستقبل تمويل المناخ والعدالة المناخية في إطار نظام المناخ متعدد الأطراف. وفي حين تعهدت العديد من البلدان المتقدمة بتقديم أكثر من 661 مليون دولار من التبرعات لصندوق «الخسائر والأضرار»، يبقى السؤال الحاسم: هل ستزيد الدول الأعضاء التزاماتها وتعهداتها المالية خلال وبعد «كوب 29»؟ وإذا ظل حجم الصندوق بمئات الملايين بدلاً من مئات المليارات المطلوبة، فإن تأثيره على بناء القدرة على الصمود في البلدان الأكثر ضعفاً سيكون محدوداً - خاصة بالنظر إلى ارتفاع الظواهر الجوية المتطرفة، وتسارع العمليات بطيئة الحدوث، وتصاعد التكاليف الاقتصادية وغير الاقتصادية.