قد تبدو السفن السطحية مثل الصف الكبير من السفن الحربية التي غرقت أو تضررت بشدة أثناء الهجوم على بيرل هاربور في ديسمبر 1941 كانت إشارة إلى صعود سلاح البحرية الحامل للطائرات الذي هيمن على الحرب العالمية الثانية في المحيط الهادئ واستمر منذ ذلك الحين.
ولكن لماذا إذن يزدهر بناء السفن الحربية؟ تتفوق الصين بشكل كبير على الولايات المتحدة في بناء الطرادات والمدمرات والفرقاطات. كما أن بكين تبني حاملات طائرات وتبدأ في تزويدها بالطاقة النووية. وتمتلك الصين أكثر من 300 سفينة حربية سطحية وتبني ما يقدر بـ 20 إلى 30 سفينة سنوياً. وتواصل الولايات المتحدة - إلى جانب اليابان وكوريا الجنوبية والهند وأستراليا والعديد من القوات البحرية الأوروبية - بناء هذه المنصات أيضاً. في مواجهة الطائرات المسيرة والصواريخ الأكثر تطوراً، لماذا تستمر هذه القوات البحرية في بناء السفن الحربية السطحية المعرضة للخطر؟
والإجابة البسيطة هي: إن الأمر ليس إما هذا أو ذاك. نعم، إن الجيوش بشكل عام، والقوات البحرية بشكل خاص، تمر بتحول جذري من شأنه أن يستلزم استخدام المزيد من المركبات غير المأهولة مثل أنظمة الأقمار الصناعية ذات القدرة على الهجوم، وأجهزة استشعار على ارتفاعات عالية بقدرة تحليق طويلة، وطائرات مسيرة كبيرة شبيهة بالطائرات المسيرة الحالية مثل «بريداتور» و«ريبر»، ومركبات سطحية تتحرك على أمواج المحيط بسرعة عالية جداً وهي محملة بالمتفجرات، وطوربيدات ذكية مزودة بأجهزة استشعار بعيدة المدى والقدرة على الانتظار تحت سطح البحر.
لكن كل هذه الأنظمة غير المأهولة لا تعني أن السفن السطحية قد انتهت. سنحتاج إلى كل من السفن الحربية السطحية والطائرات المسيرة وسنظل ندافع عنهما لفترة من الزمن.
أولاً، ما لم نتمكن من إنشاء ناقلات ضخمة تحت الماء وسفن شحن لنقل التجارة العالمية، فسنحتاج إلى قوات بحرية سطحية لممارسة السيطرة على الممرات البحرية الحيوية.
التجارة العالمية، من دون حماية السفن المرافقة، ستكون عرضة للهجوم. لا يمكننا ببساطة أن نترك محيطات العالم لأعدائنا ولأسلحتهم غير المأهولة الرخيصة نسبياً. يجب حماية السفن التجارية - بعضها يصل وزنه إلى مئات الآلاف من الأطنان - بواسطة قوات سطحية مجهزة بصواريخ موجهة (وفي النهاية بأسلحة ليزر مضادة للطائرات المسيرة). نحن نتعلم هذا الدرس الآن من الهجمات التي تتعرض لها سفن الشحن في البحر الأحمر.
وثانياً، ورغم تفوقنا الكبير، فإن الأشرار يصبحون أكثر ذكاء في نهاية المطاف. ففي الأشهر الأولى من حرب أوكرانيا، كانت تكنولوجيا الطائرات المسيرة الغربية تهيمن على ساحة المعركة. ولكن الروس سرعان ما بدأوا في تحسين قدراتهم في مجال الحرب الإلكترونية، فقاموا بتشويش وتعطيل روابط الاتصالات وأنظمة التوجيه للعديد من الطائرات المسيرة الأوكرانية. وقد حدث هذا من قبل: فعندما نفدت الوسائل التي يستخدمها اليابانيون لوقف الاقتراب الثابت للبحرية الأميركية في الحرب العالمية الثانية، لجأوا إلى إرسال الطيارين في طائرات محملة بالمتفجرات مباشرة إلى السفن السطحية الأميركية.
في البداية، لم يكن لدى البحرية الأميركية دفاع فعال ضد الطيارين الانتحاريين وخسرت العديد من السفن وآلاف البحارة أمام هذه القدرة الهجومية الجديدة، وكما أشير في كتابي الجديد، «الموجة المضطربة: رواية عن البحرية الأميركية»، تمكنت اليابان من استخدام سلاحها الجديد حتى نفدت منها الطائرات والطيارين.
واليوم، فإن السفن الحربية السطحية، مثل المدمرة الموجهة بالصواريخ، التي كنت أقودها قبل ثلاثة عقود، قادرة للغاية على إسقاط الصواريخ القادمة بصواريخها الخاصة. ولكن مثل هذه الأسلحة مكلفة وتستهلك بسرعة أكبر في القتال، فالمدمرات العاملة في البحر الأحمر عادة ما تحمل نحو ستين صاروخاً مضاداً للطائرات. وقد تكلف عشرة أمثال تكلفة الطائرات المسيرات التي تقوم بإسقاطها.
إن الإجابة المباشرة على هذا السؤال من المرجح أن تكون الليزر. فإذا كانت السفينة تتمتع بقدر كاف من توليد الكهرباء، فسيكون لديها ما يكفي من القوة لإسقاط الأسلحة القادمة بالليزر. وعندما يتم توجيه هذه الليزرات بواسطة رادارات متطورة، فإنها ستعيد التوازن بعيداً عن الطائرات المسيرة وتعود إلى المدافعين.
إذن، نعم، صحيح أن المعادلة المتغيرة للحرب تتجه نحو دور أكبر بكثير للمركبات غير المأهولة في الحروب البحرية. ومع ذلك، لا يزال من الصحيح أن السفن الحربية السطحية، على الرغم من كونها أكثر عرضة للخطر في هذا الوقت الانتقالي، لا تزال تحتفظ بقدرة هجومية كبيرة. سنحتاج إلى أنظمة هجومية غير مأهولة استثنائية - وسنظل بحاجة للدفاع عن سطح البحر. السفن الحربية السطحية أم الطائرات المسيرة؟ سآخذ بعضاً من كل منهما، من فضلك.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»