في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم المعاصر، تبرز قضية الهوية الوطنية واحدة من أهم القضايا التي تشغل الدول والمجتمعات. ويطرح الدكتور جمال سند السويدي في كتابه «الهوية الوطنية في دولة الإمارات العربية المتحدة بين خصوصية الثوابت وعالمية المعايير» رؤيتَه العميقة حول كيفية مواجهة دولة الإمارات للتحديات التي تفرضها العولمة، مع الحفاظ على خصوصيتها وهويتها الوطنية المتجذرة. ويتناول الكتاب الجهودَ التي تبذلها الإمارات في تحقيق التوازن بين الانفتاح على العالم، وبين الحفاظ على القيم الوطنية الراسخة التي تكونت عبر عقود من التطور والنمو.
وقد نجحت دولة الإمارات، منذ تأسيسها عام 1971، في بناء نموذج فريد يرتكز على الانفتاح العالمي دون التفريط في الهوية الوطنية. ويعود هذا النجاح إلى القيادة الحكيمة التي أدركت مبكراً أن الهويةَ الوطنية ليست مجرد مفهوم رمزي، بل هي أساس للوحدة والاستقرار الاجتماعي. 
ولعل التحدي الأكبر، كما يشير الدكتور السويدي، هو كيفية التعامل مع العولمة التي فرضت نفسها على العالم بأسره. فرغم الانفتاح الكبير الذي تعيشه الإمارات، فإنها نجحت في الحفاظ على هويتها الخاصة في ظل التنوع الثقافي الكبير الذي يميزها. وهذا التنوع لم يكن عائقاً أمام تعزيز الهوية الوطنية، بل أصبح مصدراً للقوة والوحدة. ومع ذلك، فإن التحدي يبقى مستمراً في ظل العولمة المتسارعة والتداخل الكبير بين الثقافات.
وتمثل التكنولوجيا الجديدة تحدياً آخر يتناوله الدكتور السويدي بعمق في كتابه. فمع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها الكبير على الأجيال الشابة، أصبح من الضروري التفكير في كيفية استخدام هذه الأدوات لتعزيز الهوية الوطنية بدلا مِن أن تكون وسيلة لهدمها. ويرى السويدي أن التكنولوجيا، إذا تم استغلالها بالشكل الصحيح، يمكن أن تكون أداة فعالة لربط الأجيال الجديدة بتراثها الثقافي الوطني. والإمارات، باعتبارها واحدة من الدول الرائدة في مجال التكنولوجيا، تملك القدرة على استغلال هذه الأدوات، لتعزيز هويتها الوطنية بطرق مبتكرة تتناسب مع العصر الرقمي. التعليم والثقافة هما أيضاً من أهم الأدوات التي تسهم في ترسيخ الهوية الوطنية، بحسب ما يبيّن الدكتور السويدي. فالنظام التعليمي في الإمارات لا يقتصر على تقديم المعرفة الأكاديمية فقط، بل يسهم في بناء شعور عميق بالفخر والانتماء إلى الوطن، إذ يلعب التعليم دوراً محورياً في تعزيز الهوية الوطنية من خلال ربط الأجيال الجديدة بجذورها الثقافية والوطنية. وبالمثل، تطلع الفعاليات الثقافية والفنية بدور كبير في هذا السياق، إذ تسهم في تعزيز روح الانتماء، وربط الحاضر بالماضي.
التنوع الثقافي الذي تحتضنه الإمارات يعتبر من أبرز سماتها، في ظل وجود سياسات حكومية واضحة لضمان التعايش السلمي بين مختلف الثقافات، مع الحفاظ على الهوية الوطنية. وكما يشير السويدي فقد استطاعت الإمارات أن تحقق توازناً فريداً بين التعددية الثقافية والحفاظ على القيم الوطنية، حيث إن الحفاظ على هذا التوازن يتطلب استراتيجياتٍ مستدامةً تضمن اندماج الجميع تحت مظلة الهوية الإماراتية دون أن تفقد هذه الهوية جوهرها.
وفي خاتمة كتابه، يتساءل الدكتور السويدي حول مستقبل الهوية الوطنية في ظل التغيرات المتسارعة: ما هي الأدوات الضرورية لضمان استمرار النجاح في هذا الصدد؟ وهنا يؤكد السويدي أن الإمارات تمتلك رؤيةً واضحة تمكّنها من مواجهة هذه التحديات، بفضل القيادة الرشيدة والسياسات الحكيمة التي تتبناها الدولة. فالهوية الوطنية ليست جوهراً جامداً، بل هي مضمون حي يتطور باستمرار، ويستجيب للتحديات التي تفرضها العولمة. وكما يؤكد السويدي، فإن الإمارات قادرة على الحفاظ على هويتها الوطنية وتعزيزها، في سياسات تستشرف المستقبل، وتعمل على تعزيز القيم الوطنية، مع الاستفادة من الفرص التي يتيحها العالم المعاصر. وأخيراً فالهوية الوطنية، بحسب السويدي، ليست مجرد شعارات، بل هي أساس لكل نجاح حققته، وستحققه دولة الإمارات في مسيرتها نحو مستقبل أكثر إشراقاً.

*أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة