في مثل هذا اليوم السابع من أكتوبر 1990، فارقنا رجل بقامة الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله.
كنت يومها في مستشفى راشد، لحظة ميلاد إحدى بناتي، آنذاك كانت عيناي لا تفارقان شاشة التلفاز أثناء نقل مراسم دفن الشيخ راشد مباشرة، وكأن قلبي انشق نصفين، نصف للفرح بالولادة، والنصف الآخر يعتصره الحزن، فالترتيب من الله والقدر هو الحاكم، ليمضي ذلك اليوم في مكان خلد اسمه حتى الساعة، وتسلم الله روحه في أمانه. 
هذا الباني العظيم كيف استطاع بناء حضارة دبي وعظمتها من لا شيء؟! 
لقد حظيت بأب لم يفارق مجلس الشيخ راشد حين وفاته، ولم يفارق مجلس الشيخ سعيد بن مكتوم في عز شبابه، وواصل بعدهما حضور مجلس أبنائهم الشيخ مكتوم والشيخ حمدان، رحمهما الله، حتى حانت ساعة مرضه.
بعد هذا أقول كيف حكم الشيخ راشد دبي «فردوس الخليج»، وأحسن بنيان قواعدها بإحكام منقطع النظير.
أول مبدأ من قواعد حكمه لدبي هو «التعايش» السلمي بين مختلف مكونات هذا المجتمع، وهو إرث مديد وسديد ورشيد، ورثه من فترة والده الشيخ سعيد، رحمه الله، ولقرابة خمسين عاماً من ولايته. 
والمبدأ الآخر متمثل في «الشورى» بأسمى معانيها. وحدثني أحد رفقاء طريق الشيخ راشد قائلاً: كنا جلوساً يوماً والشيخ راشد في قمة صمت التفكير، ونحن لا ننبس ببنت شفة، بعد برهة من الزمن طرح علينا مشروعاً اقتصادياً كان يشغل باله ويؤرق تفكيره، ثم يتم تداول الأمر مع الجلساء كافة دون أن يقاطعنا حتى ننتهي من الحديث، ثم من بعد ذلك يأخذ قراره في أي شأن، هذا النوع من النقاش مع بساطته، كانت مخرجاته مبهرة حتى من بعد فراقه الجسدي، مع استمرار إنجازاته في رؤية الشيوخ الكرام من أبنائه الذين هم ماضون على نهجه. 
أما المبدأ الثالث، فهو في علو كعب الإشراف الميداني على المشاريع كافة التي رفعت من شأن دبي إلى العالمية.
لم يكن الشيخ راشد يؤمن بالجلوس من وراء المكاتب لإدارة الأعمال العظام عن بُعد، أو عبر إصدار الأوامر أو القرارات المعنية، وكان المبدأ الرابع، الأهم عنده هو الاطلاع اليومي على البناء في كل المجالات، العمل في الميدان أولى عنده من الجلوس في الديوان.
أما المبدأ الخامس، فيكمُن في أهمية الاقتصاد، حيث كان الشيخ راشد، رحمه الله، يدرك ببصيرة عينيه ورشادة عقله وقوة وعيه، معنى قوة الاقتصاد، وأنه رافعة المجتمع نحو التنمية لبناء مستقبل أفضل للجميع وليس للشعب وحده، واشتهرت في ذلك مقولة له: لو رفع أي مستثمر حجراً في البلد، لأخرج من تحته ذهباً خالصاً يسرّ الناظرين. 
دبي صنعها الشيخ راشد صناعة يوم كانت مواردها شحيحة، وإمكاناتها محدودة، يروي الحبتور في مذكراته عن زيارة له لمجلس الشيخ راشد من أجل مساعدة مالية لتنفيذ مشروع اقتصادي في الإمارة، فكان رده: أما المال فلا نملكه، ولكن سأوصي عليك بعض البنوك لتمويل المشروع.
وبعد عقود مضت، كنت حاضراً في مجلس الشيخ حمدان بن راشد، رحمه الله، ودار حديث الذكريات عن والده من قبل أحد كبار أعيان دبي قوله: «طال عمرك لو مب الوالد رحمة الله عليه ساعدنا هاك الأيام لما وصلنا لهذا المركز التجاري اليوم». 
تعالوا بنا اليوم نمعن النظر في حصاد اقتصاد دبي وفق ما أشار إليه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله: 
وردتنا أرقام النصف الأول من 2024.. حيث بلغت صادراتنا في 6 أشهر فقط ما كنا نصدره خلال عام كامل قبل كورونا في 2019.. واقتربت تجارتنا الخارجية من 1.4 تريليون درهم خلال ستة أشهر بنمو 25% لصادراتنا غير النفطية.. وهدفنا تحقيق 3 تريليونات درهم تجارة خارجية غير نفطية مع نهاية هذا العام بإذن الله. 

*كاتب إماراتي