حتى وقت انطلاق حملة الانتخابات الرئاسية لنائبة الرئيس كامالا هاريس، كان معظم المرشحين «الديمقراطيين» للرئاسة يتعاملون مع الهجرة باعتبارها مسألةً تتعلق بتقنين أوضاع المهاجرين غير الشرعيين. وكانوا يركزون على «إخراج الناس من الظلال» وعلى إيجاد «مسارات للحصول على الجنسية». لكن هاريس، المدعية العامة السابقة، تتبنى نهجاً مختلفاً. فهي الآن تتعامل مع الهجرة غير الشرعية باعتبارها قضية تتعلق بإنفاذ القانون على الحدود.
وبذلك، تساعد الحزب على التحرك إلى حيث يجب أن يتجه فيما يتعلق بسياسات الهجرة والنهج السياسي. بدأت هاريس خطابَها يوم الجمعة عند الحدود ببيان حازم من النوع الذي اعتدنا سماعه من «الجمهوريين» أكثر من «الديمقراطيين»، وقالت: «الولايات المتحدة دولة ذات سيادة. وأعتقد أن علينا واجباً في وضع قواعد على حدودنا وتطبيقها». وأضافت: «أنا أتعامل مع هذه المسؤولية بجدية كبيرة»، قبل أن توضح: «نحن أيضاً أمة من المهاجرين».
والواقع أن التركيز ينصبُّ على تأمين الحدود أولا ليس كجزء من حزمة شاملة، بل كضرورة مستقلة عن ما يتعين علينا القيام به لإصلاح نظام الهجرة القانوني والتعامل مع مسألة «الحالمين». ويتناسب تغيير الترتيب المعتاد للديمقراطيين (وكان يتلخص في الحديث أولا عن الحالمين، ثم الحدود) مع شخصية المدعية العامة، والواقع السياسي، والمخاوف المباشرة للمجتمعات المحلية. وعلاوة على ذلك، فإن القلق بشأن أمن الحدود أمر منطقي يشترك فيه الحزبان.
وما لم نتمكن من إدارة الحدود بفعالية، سيظل العديد من الأميركيين مترددين في معالجة أي جانب آخر من جوانب الهجرة. وبمجرد تأمين الحدود ووضع عملية منظمة، يمكن للبيت الأبيض والكونجرس التفرغ لمعالجة مجموعة من القضايا ذات الصلة، بدءاً من العمال الزراعيين المؤقتين وصولا إلى الحالمين والعمال ذوي المهارات العالية الذين يتم جلبهم بموجب تأشيرات H-1B.
وفي تصريحاتها، تبنَّت هاريس مشروعَ قانون الهجرة الصارم الذي أقره الحزبان بشكل كامل، حيث حددت أحكامه وألقت باللوم على دونالد ترامب في إفشال الاتفاق، وقالت بصراحة: «لقد أفسد ترامب الاتفاق، ورفع سماعة الهاتف واتصل ببعض الأصدقاء في الكونجرس، وقال: أوقفوا مشروع القانون.. لأنه يفضل الترشح على أساس مشكلة بدلاً من إصلاح المشكلة». خلال خطابها، بل طوال حملتها الانتخابية، استفادت هاريس من عملها سابقاً على الحدود بصفتها مدعيةً عامةً لولاية كاليفورنيا، وأكدت مجدداً في أريزونا: «بدأتُ أول تقرير شامل في ولاية كاليفورنيا لتحليل المنظمات الإجرامية العابرة للحدود الوطنية والتهديدات التي تشكلها للسلامة العامة والاقتصاد. لذا فإن وقف الجريمة العابرة للحدود وتعزيز حدودنا كان أولوية طويلة الأمد بالنسبة لي. لقد قمتُ بهذا العمل، وسأستمر في التعامل معه كأولوية عندما يتم انتخابي رئيسةً للبلاد». لقد قام الرئيس السابق دونالد ترامب بتشويه سمعة المهاجرين وتجريدهم من إنسانيتهم. لكن المشكلة الحقيقية في الجريمة، كما تعرف هاريس، تأتي من أولئك الذين يستغلون المهاجرين ويتاجرون بالأسلحة والمخدرات والبشر. رسالتها الصارمة لا تبدي أي قلق مما قد يقوله الجناح اليساري للحزب الديمقراطي. هذه انتخابات، وهم يدعمونها بالكامل.
لم تتلقَ أي اعتراضات (الاعتراضات التي كانت أحيانا تعرقل محاولات الرئيس جو بايدن للاستجابة لأزمة الحدود) عندما أعلنت: «للحد من عبور الحدود غير القانوني، سأتخذ إجراءاتٍ إضافيةً بغيةَ إبقاء الحدود مغلقةً بين الموانئ».
وتابعتْ: «أولئك الذين يعبرون حدودَنا بشكل غير قانوني سيتم القبض عليهم وترحيلهم. وسيُمنعون من إعادة الدخول لمدة خمس سنوات. وسنسعى إلى توجيه اتهامات جنائية أكثر شدةً ضد المخالفين المتكررين. وإذا لم يقدم شخص ما طلبَ لجوء عند منفذ قانوني، بل عبر حدودنا بشكل غير قانوني، فسيتم منعه من الحصول على اللجوء».
إن التعاطف مع أولئك الذين يفرون من ظروف يائسة لا يعني أن نظامنا لا يمكن أن يكون «منظماً وآمناً». فقط في نهاية خطابها رفضت هاريس «الاختيار الزائف الذي يقترح علينا أن نختار بين تأمين حدودنا وبين إنشاء نظام هجرة آمن ومنظم وإنساني»، وتعهدت بإنجاز كلا الأمرين، ثم أكدت على الحاجة إلى «مسارات قانونية واضحة للأشخاص الذين يسعون إلى القدوم إلى بلدنا»، وإلى تسريع عملية اللجوء، وعلى ضرورة العمل مع الكونجرس لإضفاء الشرعية على «الحالمين»، ومعالجة الحاجة إلى العمال الزراعيين. يبدو أن هاريس تتبع نصيحة الديمقراطيين الوسطيين ومراكز الأبحاث، مثل «ثيرد واي»، التي حثت الديمقراطيين، في فبراير الماضي، على تبني الصفقة الحزبية و«الهجوم على الهجرة».
وقد غرد «جيم كيسلر»، المدير التنفيذي للسياسة في منظمة «ثيرد واي»، بعد ظهور هاريس في أريزونا، قائلا: «لعقود من الزمان، كانت الهجرة نقطة ضعف الديمقراطيين. لكن نائبة الرئيس كامالا هاريس تقلب السيناريو وتُظهِر للناخبين أنها جادة بشأن استعادة النظام على الحدود». وقد كوفئت هاريس على جهودها بالدعم من بعض المسؤولين الجمهوريين الحاليين والسابقين في ولاية أريزونا.
ويوم الأحد، أيدها السيناتور السابق من ولاية أريزونا والسفير السابق في تركيا جيف فليك، ورحب بتبنيها «سياسة أكثر صرامة» بشأن الهجرة، وأكد أن مشروع القانون الحزبي في مجلس الشيوخ كان ليشكل تغييراً مرحَّباً به في نظام اللجوء. وأحرزت هاريس بعضَ التقدم فيما يتعلق بالهجرة، وفقاً للاستطلاعات الرأي، وقد يفسر ذلك لماذا أصبحت هجمات ترامب القائمة على معاداة الأجانب أكثر حدةً، إذ أصبح يوجه غضبه حتى نحو المهاجرين الشرعيين، مثل الهايتيين الذين لديهم وضع حماية مؤقت. ومن الجدير بالذكر أن هاريس ليست الديمقراطية الوحيدة التي حوَّلت تركيزَها لينصّب على الهجرة. وإذا نجح الديمقراطيون، فسيكون ذلك دليلاً قوياً على أن قادرون على تحييد القضية التي اعتمد عليها الجمهوريون بشدة واستغلوها لعقود من الزمان، أي نهج «الديمقراطيين» حول الهجرة.
جنيفر روبين*
*كاتبة أميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»