نادرةٌ الانتخابات التي حظي فيها مرشحٌ من خارج الحزبين الكبيرين باهتمامٍ أو تغطيةٍ إعلاميةٍ معقولة في تاريخ الولايات المتحدة. ولهذا يعتقدُ كُثُرٌ أن الانتخابات الرئاسية تُجرى في كل مرةٍ بين مرشحَين اثنين فقط. لكن هذا ليس هو الحال، إذ لم تخل أيُّ انتخابات رئاسية مِن مرشحين آخرين بقوا في الظل، ولم يُعرف عنهم شيء.
ويحدث هذا في الانتخابات الحالية أيضاً. فلم يحظ روبرت كينيدي جونيور «الابن» بشيءٍ من الحضور إلا لكونه سليل عائلةٍ سياسيةٍ عريقة. تولى عمه جون الرئاسة من يناير 1961 حتى اغتياله في نوفمبر 1963. وكان والدُه عضواً في مجلس الشيوخ عن ولاية نيويورك، قبل أن يسعى للترشح للرئاسة عن الحزب الديمقراطي عام 1968. لكنه اغتيل خلال السباق التمهيدي الذي كان متقدماً فيه على منافسه السيناتور يوجين مكارثي.
بقي روبرت الابن، رغم سجله العائلي، في الهامش، وفشل في مواصلة السباق التمهيدي في الحزب الديمقراطي، فانسحب منه وترشح مُستقلاً. لكن لم تُلق أضواءٌ عليه إلا عندما قرر الانسحاب من الانتخابات في عدة ولايات معظمُها متأرجحة، لكل صوتٍ انتخابي فيها قيمته، وأعلن تأييده للمرشح الجمهوري دونالد ترامب. وربما كان الاهتمام الإعلامي، الذي حظي به خلال مشاركته للمرةِ الأولى في تجمعٍ انتخابي لدعم ترامب، أكثر من كل ما نُشر أو بُث عنه في وسائل الإعلام طول عامٍ كاملٍ منذ أن أعلن عزمَه خوضَ السباق التمهيدي في الحزب الديمقراطي. ساعاتٌ قليلةٌ كان فيها بجوار ترامب منحته حضوراً فاق شهوراً كثيرةً حاول خلالها أن يجد موطئ قدمٍ في السباق الانتخابي، والانتقال من الهامش إلى المركز. وها هو قد حقق هذا الانتقال، لكن كمؤيد لترامب وليس كمرشح.
ومع ذلك فحالُه أفضل من «جيل ستاين»، الطبيبة اليهودية الإنسانة مرشحة حزب الخضر الأميركي، وكورنيل ويست المفكر والأستاذ الجامعي الذي ترشح مستقلاً. لا يَعرف كُثُرٌ أصلاً أنهما مرشحان. ولا يُعنى الإعلام الأميركي، وتالياً الإعلام العالمي، بحملتيهما ولقاءاتهما الانتخابية، ليس فقط لأنهما من خارج النخبة السياسية التقليدية، ولكن أيضاً بسبب مواقفهما الجذرية («الراديكالية») المتشددة تجاه قضايا كبرى داخلية وخارجية. تضعُهما هذه المواقفُ خارج الاتجاه العام الرئيسي في السياسة الأميركية. لكن بعض تلك المواقف أتاح لهما حضوراً عابراً ومؤقتاً في وسائل الإعلام، وخاصة موقفهما تجاه الحرب في غزة ودعوتهما إلى وقفها بشكل فوري، ومشاركة كلٍّ منهما في احتجاجاتٍ طلابية ضد هذه الحرب. فقد شاركت ستاين في احتجاجات نظمها طلابُ جامعة واشنطن-سانت لويس، ودعم ويست فعالياتٍ طلابيةً في جامعة كولومبيا، في مارس وأبريل الماضيين.
ولهذا تَلْقى ستاين بصفةٍ خاصة قبولاً في بعض أوساط الناخبين الأميركيين المسلمين ومن أصولٍ عربية. وإذا اقترع هؤلاء، أو نسبةٌ كبيرةٌ منهم، لمصلحتها فسيكونُ هذا على حساب هاريس، وخاصةً في بعض الولايات المتأرجحة التي يوجدُ لهم ثقلُ نسبيٌ فيها مثل ميتشجان. وسيكونُ هذا، إن حدث، الأثرَ الوحيد تقريباً لخوضِها الانتخابات.
*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية