غالباً ما تستحق الخطب السياسية التجاهل، إذ أنها لا تنقل الكثير من المعلومات الجديدة. ولكن خطاب دونالد ترامب الأسبوع الماضي في النادي الاقتصادي في نيويورك كان جديرا بالاهتمام، من عدة نواح. لقد حظيت إجابته غير المفهومة عن سؤال حول رعاية الأطفال بقدر كبير من الاهتمام، وأعتقد أننا نستطيع أن نقول بأمان إنه لا يملك سياسة بشأن هذه القضية. لكن على نحو أكثر تماسكاً، أوضح ترامب أكثر من أي وقت مضى أنه يرى بأن التعريفات الجمركية على غرار النظام المتبع في القرن الـ19 هي الحل الأمثل للعديد من المشكلات الاقتصادية في الولايات المتحدة الأميركية. وكان لدى ترامب رسالة تتجاوز التعريفات الجمركية. فقد وعد أيضاً بخفض كبير في أسعار الطاقة، وخاصة سعر البنزين، وهو الوعد الذي قد يَظهر مرة أخرى في مناظرة يوم الثلاثاء. وهنا سأقتبس لاحقاً بعضَ ما قاله ترامب، لكن دعونا أولاً نتعرّف على بعض الخلفية. لقد شهدت أسعار البنزين حالةً من التقلب الشديد خلال السنوات القليلة الماضية. فقد انخفضت في أوائل عام 2020، ثم تعافت، ثم ارتفعت في عام 2022، ثم تراجعت. وبدأت في التراجع مؤخراً، حيث توقَّع بعضُ المحللين أن ينخفض ​​متوسطها ​​إلى أقل من 3 دولارات خلال الأشهر القليلة المقبلة. لكن هل يدرك الناخبون أن أسعار البنزين عادت إلى الانخفاض؟ قد تعتقد أن الإجابة واضحة؛ فمحطات البنزين تعرض أسعارَها على لافتات كبيرة على الطرق الرئيسية في جميع أنحاء أميركا. ولهذا عليك أن تتعجب؛ إذ وَجدت دراسةٌ حديثة حول تغطية الأخبار التلفزيونية أن ثمة إشارات أكثر بكثير إلى أسعار البنزين عندما تكون مرتفعة مقارنةً بحالتها عندما لا تكون كذلك. ويمتلئ صندوق الوارد الخاص بي برسائل «الجمهوريين» التي تتحدث وكأن البنزين ما يزال سعره 5 دولارات للجالون. وتشير استطلاعات الرأي إلى أنه بينما تلاشت الميزة المتصورة لدونالد ترامب في العديد من القضايا الاقتصادية، إلا أنه ما يزال يتمتع بفارق كبير فيما يتعلق بأسعار البنزين. كان ترامب يميل إلى الطاقة في خطابه في نيويورك. وسأستمر في ممارستي الجديدة المتمثلة في تقديم اقتباسات مطولة، لأن بعض القراء قد لا يكون لديهم حس جيد بما يبدو عليه ترامب بالفعل عندما يتحدث عن السياسة. وإليكم ما يلي: «سأنهي حملة كامالا هاريس المناهضة للطاقة وأنفِّذ سياسة وفرة الطاقة واستقلال الطاقة وحتى الهيمنة على الطاقة. لدينا ذهب سائل تحت أقدامنا أكثر من أي دولة أخرى، بما في ذلك روسيا والمملكة العربية السعودية، وسنستخدمه. ستعمل خطتي على خفض أسعار الطاقة إلى النصف أو أكثر من ذلك في غضون 12 شهراً من تولي منصبي. سيكون ذلك إحياءً اقتصادياً لبلدنا لم ير أحدٌ مثله من قبل». «كانت الطاقة هي السبب وراء مشكلتنا في البداية. والطاقة هي التي ستعيدنا إلى ما كنا عليه. وهذا يعني أننا سنخفض الأسعار وسنحصل على البنزين بأقل من دولارين للجالون، وسنخفض سعر كل شيء من أسعار الكهرباء إلى البقالة وأسعار تذاكر الطيران وتكاليف السكن». «إنهم لا يحبونني. وفي الوقت نفسه، لا تستطيع كامالا هاريس خفض سعر أي شيء لأن سياساتها في مجال الطاقة تعمل على رفع تكلفة كل شيء. بدءاً من اليوم الأول، فتحت هاريس وبايدن خط الأنابيب الروسي المسمى نورد ستريم 2، والذي لم يسمع به أحد من قبل حتى قمت بالتدخل وقلت، ماذا عن نورد ستريم 2؟ ولم يكن أحد يعرف ما كنت أتحدث عنه. أكبر خط أنابيب في العالم، خط أنابيب روسي. لكنني أغلقته. لقد تم إغلاقه». هذا المقطع الأخير محير بشكل خاص. فخط أنابيب نورد ستريم 2 هو خط أنابيب للغاز الطبيعي بدأ بناؤه في عام 2016، على الرغم من معارضة الولايات المتحدة، واستمر خلال سنوات ترامب وأُغلق في عام 2022 بسبب التخريب. لكن لا يهم. وماذا عن الوعد بخفض أسعار البنزين إلى أقل من دولارين للجالون؟ حسناً، كان السبب المباشر الرئيسي للتقلبات الجامحة في أسعار البنزين هو التقلبات الهائلة في سعر النفط الخام، الذي يتم تكريره إلى بنزين. لقد انخفضت أسعار النفط الخام بشكل كبير في أوائل عام 2020، حتى وصلت إلى مستويات سلبية في بعض الأحيان. هذا ليس خطأً في البيانات: فقد انخفض الطلب على النفط بشكل حاد خلال أسوأ فترة من الوباء، ولم يعجز المنتجون عن العثور على مشترين لنفطهم فحسب، بل كانوا أيضاً يعانون من نفاد مساحة التخزين، لذا كانوا على استعداد لدفع المال للناس بغية أخذه بعيداً. وهذا يشير بقوة إلى أن أسعار البنزين المنخفضة للغاية في عام 2020 لم تكن مستدامةً، وأننا لا نستطيع أن نتوقع رؤيةَ مثل هذه الأسعار مرة أخرى ما لم يغرق الاقتصاد العالمي في حالة من الكساد. وماذا عن الارتفاع في عام 2022؟ كان السبب في ذلك إلى حد كبير هو العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وروسيا منتج رئيسي للنفط. في البداية بدا الأمر وكأن الحربَ ستزيلُ الكثيرَ من الإمدادات الروسية من السوق. وكما اتضح، وجدت روسيا في الغالب طرقاً للتهرب من العقوبات الغربية، وعادت الأسعار إلى الانخفاض. كما ارتفعت أسعار البنزين في عام 2022 مؤقتاً، وذلك بسبب «العقبات»، بما في ذلك الحرائق والأحداث الجوية التي عطلت الإنتاج في بعض المصافي. لكن منذ ذلك الحين، عادت أسواق النفط الخام والبنزين إلى طبيعتها إلى حد كبير. والبنزين ليس باهظ الثمن بشكل خاص، فالأسعار هي نفسها تقريباً كما كما كانت قبل الوباء. ومع ذلك، يَعد ترامب بخفض الأسعار بشكل كبير من خلال إنهاء «حملة كامالا هاريس المناهضة للطاقة». يجب أن أقول إن هذه الحملة المزعومة غير مرئية في البيانات، فقد وصل إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة إلى مستويات قياسية خلال الأعوام الأخيرة. ومع ذلك، يقول ترامب إننا نستطيع أن نفعل الكثير: «لقد عدنا إلى هذا الظلم الرهيب الذي لحق بالولايات المتحدة. ومن خلالهم، عندما عادوا إلى اتفاقية باريس للمناخ، التي كانت ظالمةً لنا. لقد دفعنا تريليونات الدولارات. ولا تدفع البلدان الأخرى أي شيء. لقد قمت بإخراج الولايات المتحدة منها، لكنهم خفَّضوا مساحةَ الأراضي الفيدرالية المتاحة للحفر بنسبة 80%. لقد فعلوا ذلك. لو كنتُ رئيساً لكان إنتاج النفط اليوم أعلى بأربع مرات مما هو عليه الآن». ليس لديَّ أي فكرة عما تدور حوله الفقرة الأولى.. لا يهم. هل كنا سننتج حقاً أربعة أضعاف كمية النفط الحالية لو كان ترامب رئيساً، علاوة على خفض أسعار الطاقة إلى النصف؟ يبدو الأمر غير مرجح. لم يشرح ترامب بالضبط كيف كان سيحقق ذلك، لكن في كل الأحوال فإن أي انخفاض كبير في أسعار النفط عن مستواها الحالي، أي أقل من 70 دولاراً للبرميل، سيجعل الحفر غير مربح في مناطق الإنتاج الرئيسية. لذا، فإن خلاصة القول: إذا فاز ترامب، فهل سنعود إلى أسعار الغاز المنخفضة للغاية في أوائل عام 2020؟ لن يحدث ذلك إلا إذا شهدنا كساداً عالمياً. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز» بول كروجمان* *أكاديمي أميركي حائز على نوبل في الاقتصاد

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»