من المؤكد ان «كامالا هاريس» مرشحة الحزب «الديموقراطي» لرئاسة أميركا لم تكن مدرجة، في الأربع سنوات الماضية، ضمن خيارات الحزب للانتخابات المقرر عقدها في شهر نوفمبر المقبل. فمثلما قلت في مقالة سابقة، لم يكن حضورها السياسي كنائبة للرئيس «جو بايدن» مقنعاً بشكل كاف، وفي الوقت نفسه ليس لديها تاريخ سياسي ممتد وعميق وعريق في الحزب «الديموقراطي» يساعدها على كسب أصوات الناخبين بعد شهرين!
لكن على الطرف الآخر، لا ننسى أيضاً أن منافسها في الانتخابات هو «دونالد ترامب»! صاحب الحكايات العجيبة والغريبة التي قد تساعده على كسب نوع معين من الأصوات، لكنها بالتأكيد لن تساعده على كسب الأصوات التي تبحث بعمق عن الحلول الجذرية لمشاكل الواقع الأميركي. الحكايات التي قد تساعده على كسب الجماهير المستعدة للوقوع في دائرة القطيع باختيارها، لكنها لن تجلب له أصوات النخب في الجامعات والجمعيات المدنية والدوائر الفنية والثقافية والإبداعية.
إذن، «هاريس» التي تسير على القدم اليسرى فقط، تواجه «ترامب» الذي يسير على القدم اليمنى فقط. لا يمين في أجندة هاريس ولا يسار في خطة ترامب لحكم أميركا مرة أخرى! «هاريس» التي بلا تاريخ سياسي في مواجهة «ترامب» الذي بلا مستقبل سياسي! هل يمكنني قول ذلك؟! هل يمكنني قول ذلك حتى لو استطاع «ترامب» الفوز بالرئاسة لفترة ثانية؟! ربما، فالمستقبل السياسي مشروط دائماً بحجز مكان أعلى في ذاكرة الجماهير يبقى على مر السنوات، تماماً مثلما فعل «إبراهام لينكون» و«توماس جيفرسون».
قبل البارحة التقى المرشحان في انتخابات الرئاسة الأميركية، اليسارية كامالا هاريس واليميني دونالد ترامب، في مناظرة أولى بينهما. هي الأولى لهاريس والسابعة لترامب منذ 2016. وكما كان متوقعاً، لم تخرج المناظرة بنتائج فارقة تساعد الناخبين على تحديد وجهتهم الانتخابية، بل إنه يمكن القول إنها أسهمت بشكل أكبر في خلط الأوراق وتعقيد الأمور. ويمكن القول كذلك إن «ترامب» ربما وجه اللوم لنفسه بعد نهاية المناظرة على أسلوبه الهجومي القاسي مع «بايدن» الذي أسهم في تنحي الأخير، إذ إن «ترامب» لو استقبل من أمره ما استدبر لكان حريصاً على بقاء بايدن خصماً له، والإطاحة به بسهولة في نهاية المطاف عندما يحين موعد الثلاثاء الكبير في نوفمبر.
المناظرة اشتملت على الكثير من القضايا التي تهم الناخب الأميركي، إلاّ أن أبرز ما كان ملاحظاً فيها هو انسحاب جزئية «الهجوم على الدول العربية»، كما جرت العادة سابقاً في مناظرات الرئاسة الأميركية خلال العفود الثلاثة الأخيرة، واستبدالها بالسباق على إظهار الدعم والحب لإسرائيل. ترامب يقول إن بايدن هو بمثابة «فلسطيني سيئ، وإن إسرائيل سوف تختفي بعد سنتين من حكم«هاريس»، و«هاريس» ترد بأن إسرائيل تمتلك كل الحق في الرد على عملية السابع من أكتوبر، وتشدد على أنه من المهم أن تفوز إسرائيل بالحرب في نهاية المطاف. كانت هاريس يسارية على طول الخط، وكان ترامب يمينياً طوال المناظرة، لكن عندما جاء الحديث عن فلسطين تغيّرت الاتجاهات وتعطلت البوصلة الإيديولوجية! وهكذا هي السياسة الخارجية لأميركا على أي حال!
*كاتب سعودي