بعد النجاح الكبير الذي حققته دورة الألعاب الأولمبية التي أقيمت في باريس، يمكن القول إن الخطر الذي تواجهه دورة الألعاب الصيفية التي ستستضيفها لوس أنجلوس في 2028 هو أن التباين الحتمي بين المدينتين سيلقي الضوء على اختلالات تعاني منها العديد من المدن الأميركية الكبرى.
والواقع أنه من الصعب التفكير في مدينتين كبيرتين من مدن العالم الأول أكثر تمايزاً من باريس ولوس أنجلوس، وليس فقط من حيث الحجم (40 ميلاً مربعاً في باريس، مقابل 503 أميال مربعة في لوس أنجلوس)، والنقل العام (4.7 مليار راكب سنوياً في باريس، مقابل 327 مليون راكب سنوياً في لوس أنجلوس)، وإمكانية المشي في شوارعها (باريس: نعم، لوس أنجلوس: لا).
هذه العوامل ستضع الألعاب الأولمبية التي ستحتضنها «مدينة الملائكة» في وضع غير متقدم من الناحية النوعية، مقارنةً بـ «مدينة الأنوار». غير أن لوس أنجلوس سبق لها أن نظمت الألعاب الأولمبية بنجاح مبهر في عام 1984، وعمدة المدينة كارين باس منكبةٌ حالياً على وضع خطط تهدف إلى التخفيف من التحديات الأكثر وضوحاً في المدينة، استعداداً لعام 2028.
وسيراً على خطى باريس، التي أعطت الأولوية لتقليل أثر الألعاب الأولمبية الكربوني وزيادة استدامتها، تعهدت العمدة بـ «ألعابٍ بلا سيارات»، بحيث لا يمكن الوصول إلى الأماكن التي ستحتضن الألعاب الأولمبية إلا بواسطة وسائل النقل العام، التي ستشمل أسطولاً بعدة آلاف من الحافلات المستعارة. كما قالت إنها ستطلب من الشركات في لوس أنجلوس السماح للموظفين بالعمل من البيت طوال فترة الألعاب، وهي طريقة معقولة لتخفيف حركة المرور في مدينة تشتهر بإدمانها على القيادة. 
هذه التدابير قد تكون مفيدة، ولكن التحديات الأكثر تعقيداً لا تعزى إلى تخطيط لوس أنجلوس وبنيتها التحتية، وإنما إلى معضلاتها الاجتماعية العميقة، والتي سيكون من المستحيل إصلاحها. 
وإذا كانت دورة الألعاب الأولمبية في باريس مناسبة لإظهار أجمل أماكن المدينة ومعالمها الأيقونية التي أبهرت العالم من جديد رغم ألفتها، فإن أولمبياد لوس أنجلوس قد يسلّط الضوء بسهولة على وسط المدينة البائس، حيث ينام آلاف الأشخاص الذين لا مأوى لهم في الخيام وعلى الأرصفة، وعلى الأحياء الخطرة والموبوءة بالمخدرات.
وبالطبع، الناس على ضفتي المحيط الأطلسي يدركون أن مشاكل أميركا مع جرائم العنف والتشرد وتعاطي المخدرات تفوق بكثير تلك الموجودة عبر معظم أنحاء أوروبا. 
هذا لا يعني أن أوروبا جنة تخلو من المشاكل، أو أن فرنسا لا تعاني من تكرر الإضرابات والاحتجاجات في الشوارع، أو جيوب الفقر، أو العنصرية المترسخة ولا تمييز الشرطة، أو الزيادة الكبيرة في تجارة المخدرات والعنف المرتبط بالمخدرات. ولكن يبقى أن نطاق وعمق المعضلات الاجتماعية في الولايات المتحدة، وخاصة في المدن، يبعث على الذهول إذا ما قورن بأوروبا، بل إنه حتى بالنسبة للكثير من الأميركيين الذين يدركون هذا التفاوت، قد تكون الأرقام والإحصاءات الصارخة صادمة.
وعلى سبيل المثال، من المعلوم أن معدل جرائم القتل في معظم العواصم الأوروبية منخفض، مقارنة بمعظم المدن الأميركية الكبرى. ومع ذلك، قد يصاب المرء بالذهول حين يعلم أن عدد الأشخاص الذين قُتلوا العام الماضي في جرائم قتل في أوماها (عدد سكانها 485 ألف نسمة) يعادل تقريباً عدد من قُتلوا في جرائم مماثلة في باريس (عدد سكانها 2.2 مليون نسمة)، وهذا العدد هو حوالي 30 قتيلاً. 
وفضلاً عن ذلك، فإن مرسيليا، التي تعد المدينة الثانية في فرنسا من حيث عدد السكان، كانت موضوع عناوين أخبار مريعة باعتبارها شهدت ارتفاعاً حاداً في تهريب المخدرات وأعمال العنف خلال الآونة الأخيرة. غير أنها تبدو آمنة نسبياً عند مقارنتها بإنديانابوليس، التي شهدت 4 أضعاف جرائم القتل المسجلة في مرسيليا العام الماضي والتي بلغت 49 جريمة قتل.
أما بالنسبة إلى لوس أنجلوس، فقد كان معدل جرائم القتل فيها العام الماضي أعلى من معدل جرائم القتل في باريس بأكثر من 6 أضعاف - حتى في الوقت الذي انخفضت فيه جرائم القتل بشكل حاد في لوس أنجلوس، بينما ارتفعت في باريس.
وهذا يجب أن يكون مدعاة للتفكير بالنسبة للعمدة باس، التي حضرت حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية في باريس، وعادت إليها نهاية الأسبوع الماضي من أجل حضور حفل الاختتام، وتعهدت بالاستفادة من دروس الإنجازات الأولمبية التي حققتها المدينة.
وكذلك الحال بالنسبة لمشكلة المشردين في لوس أنجلوس - حوالي 46 ألف مشرد في المدينة، أي نحو 10 أضعاف العدد الموجود في باريس، و29 ألفاً آخرين في مقاطعة لوس أنجلوس المحيطة بها. فقبل دورة الألعاب الأولمبية في باريس، قامت السلطات الفرنسية بنقل عدة آلاف من المشردين بالحافلات إلى أماكن إقامة مؤقتة خارج العاصمة. إلا أنه من المستبعد أن تحاول لوس أنجلوس القيام بالشيء نفسه، ناهيك عن النجاح فيه.
والواقع أن لوس أنجلوس لن تكون أول مدينة تعاني من الجريمة أو المخدرات تستضيف الألعاب الأولمبية. فريو دي جانيرو، حيث أقيمت ألعاب 2016، كافحت وعانت من أجل الحفاظ على سلامة المشجعين والرياضيين على خلفية مشكلة العنف وانعدام الأمن التي تعاني منها. والأكيد أن عناوين الأخبار التي نتجت عن ذلك – تعرض شخصيات كبيرة للسرقة تحت تهديد السلاح، ومهاجمة مجموعة من الأشخاص لحافلة تابعة للألعاب الأولمبية تقلّ صحفيين بالحجارة - لم تسدِ أي خدمة لريو دي جانيرو.
ولا شك أن العديد من العوامل التي تتجاوز الجريمة والسلامة والمخدرات والاختلالات الحضرية ستلعب دوراً في نجاح أو فشل لوس أنجلوس في استضافة الأولمبياد. ومع وجود هوليوود ووضع لوس أنجلوس كواحدة من الساحات الموسيقية الأكثر حيوية في العالم، فمن المؤكد أن المدينة ستعرف كيف تُحدث ضجة وتنظّم حفلة رائعة. 
غير أنه ينبغي أن نتذكر أن الألعاب الأولمبية ليست مجرد منصة لمجموعة من الأحداث الرياضية المثيرة، ولكنها أيضاً اختبار صعب للمدينة المضيفة، وأن الأضواء يمكن أن تكون قاسية. ذلك أنه إذا لم تستطع لوس أنجلوس الحفاظ على سلامة الألعاب، فإن استخدام الأسلحة النارية قد يسرق المجد من أفضل الرياضيين في العالم.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشن»