مع استمرار العالم في الخروج من التجارب الرهيبة لوباء فيروس كورونا والعواصف والزلازل الكارثية، حذّر عالم بريطاني بارز من أن الوباء التالي «لا مفر منه على الإطلاق»!
حيث أصدر السير «باتريك فالانس» كبير المستشارين العلميين السابق لحكومة المملكة المتحدة تحذيراً شديد اللهجة من أن حدوث جائحة أخرى أمراً لا مفر منه، ويجب إعطاء الأولوية لجهود الاستعداد لتجنب تكرار أزمة كوفيد-19 وهو توقع منطقي للتجهيز لمستقبل أمن لنا كمجتمعات بشرية، ولذا يعتقد أن الوباء القادم سيكون ناجماً عن طفيليات مستجدة وكائن مجهري لم يتم تحديد هويته بعد، وسيظهر فجأة تماماً كما ظهر فيروس Sars-CoV-2 المسبب لمرض كوفيد-19، ولربما تكون علامات وإشارات انتشار الأوبئة قد اكتملت. في ظل غياب أنظمة مراقبة قوية قادرة على اكتشاف التهديدات الناشئة بسرعة فائقة وفورية لتزود المؤسسات المعنية بالموارد الفعالة اللازمة لها على مستوى العالم، بما في ذلك الدول الأكثر تقدماً، ويرى من يعملون في مجالات رفع الجاهزية الوطنية من محترفي الأمن الوطني ومدراء مخاطر الكوارث أن الأوبئة والجائحات، والحالات المناخية العنيفة والهزات الأرضية ذات التأثير غير المتوقع شبه حتمية في ما هو قادم.
وموجات تسونامي متوقع أن تضرب بعض مدن دول البحر المتوسط ومنها مدن عربية، ولا يتطلب الأمر سوى حدوث زلزال قوي بقوة 6.5 رختر تحت قاع البحر المتوسط، وسيؤدي ذلك إلى تشقق في القشرة الأرضية وحدوث انزلاق مفاجئ وتحرك سريع لربما يتسبب في تسونامي، وهنا تكمن المعضلة الحقيقية وتكرار لما واجه العالم من كوارث غير متصورة في السنوات الأخيرة، والذي ينّم عن ضعف خطير في فهم شمولي لأبعاد المخاطر الرمادية واستحداث أزمات للخروج من أزمات.
يحذر العلماء من أن الوباء القادم من المحتمل أن يكون سببه فيروس الأنفلونزا، والأنفلونزا هي العامل الممرض الذي من المرجح أن يؤدي إلى جائحة جديدة في المستقبل القريب وفقاً لكبار العلماء، حيث كشفت دراسة استقصائية دولية مؤخراً أن 57% من كبار خبراء الأمراض يعتقدون الآن أن سلالة من فيروس الأنفلونزا ستكون السبب في التفشّي العالمي التالي للأمراض المعدية القاتلة، ولكن ماذا عن الأوبئة التي ستعيدها الكوارث الطبيعية على الساحة وتجعل عودتها مجرد مسألة وقت!
وخاصةً أن التعامل العقيم مع تبعات الأحداث والكوارث المناخية لايزال تحدياً قائماً وبشدة، ولا سيما أنه في الآونة الأخيرة قد انتقلت الفيروسات إلى أنواع من الثدييات بما في ذلك الماشية، مما زاد من المخاوف بشأن المخاطر التي يتعرض لها البشر، وكانت المفاجأة أن تصاب الخنازير بأنفلونزا الطيور والماشية لم تصب بذلك حتى وقت قريب وكان ظهور فيروس H5N1 في الأبقار بمثابة صدمة، ناهيك عن استخدام الأوبئة كسلاح لتغيير المعادلات الجيوستراتيجية العالمية، وهي مؤشرات حيوية متى ما تم تحليلها بصورة دقيقة للغاية، حيث سنجد أن حالة الاسترخاء الحالية في العالم وضعف الاستعداد للوباء القادم هو بمثابة وباء بحد ذاته، ويبدو لي أن البشرية ليست مستعدة للتحديات القادمة ولم تتعلم الدول بما فيه الكفاية من دروس الماضي، وهل ستكون الزلازل والأعاصير هي التحدي القادم الأكبر والمحرك الحقيقي للأوبئة القادمة في منطقتنا العربية؟ فهل تحتاج الدول لمراكز إدارة الأزمات المستقبلية لتعمل منفصلة عن المراكز والمؤسسات التقليدية للتعامل مع الطوارئ والأزمات والكوارث؟
والجواب أن بعض من يعملون في المؤسسات التقليدية يعيشون اللحظة، ولا يرون غير الواقع ولا يأخذون إلّا بآراء الجهات الرسمية، وهي فجوة وتهديد حقيقي يؤثر بشدة على استعدادات الدول لمواجهة المجهول، ويجعل الجاهزية الشمولية للدول لا تتعدى 20% في أفضل الأحوال، ولا سيما أن العقليات التقليدية مخرجاتها تقليدية بالضرورة، ونظرتها لمتطلبات استقرار واستمرارية الحياة الاعتيادية في المجتمعات روتينية وعبارة عن أعمال ورقية، وليس بينهم مستشرفو مخاطر المستقبل البديل ومتخصصو مخاطر سيناريوهات المستقبل المجهول، وهي ضرورات لا تقبل القسمة على اثنين إذا أردنا أن لا نتفاجأ بما يخفيه المستقبل لنا.
*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات.