تحتل مسألة المعرفة والمهارات أهمية كبيرة وعميقة بين أوساط المؤسسات التعليمية وعلاقتها بسوق العمل، ولطالما كان الجدل قائماً حول مدى قدرة تلك المؤسسات على تأهيل الطلبة بالصورة المناسبة لتلبية احتياجات أصحاب الأعمال.
ولقد تناولنا في المقال السابق بعض الجدل الذي يدور في الولايات المتحدة الأميركية حول دعوة بعض أصحاب الأعمال للمدارس – وليس الجامعات – للقيام بدور أكبر في إعداد الطلبة لدخول سوق العمل.
ومن الحتمي أن هذا الأمر سوف يلقي بظلاله على مستقبل المدارس في حال تغيرت مهمتها لجهة القيام بإعداد الطلبة بغية الدخول إلى مرحلة التعليم العالي كمزود لسوق العمل بالموظفين المؤهلين والمناسبين. وهنا تبرز أهمية المعرفة والمهارات وعلاقتها بمؤسسات التعليم. لقد ألقى ذلك الجدل في الولايات المتحدة الضوءَ على المهمة الرئيسة لنظام التعليم بصورة عامة، وهل تدور حول تزويد الطلبة بالمعرفة فقط على حساب المهارات أم بمزيج بينهما؟ وكيف يتم تحديد ذلك المزيج من وجهة نظر القائمين على نظام التعليم وأصحاب الأعمال؟
لكن تلك العلاقة بين المعرفة والمهارات من جانب والتعليم من جانب آخر كانت، وما زالت، تنحصر بصورة رئيسية في أهداف ومهام مؤسسات التعليم العالي من جامعات وكليات، ولا يتعلق الأمر بالمدارس. والسبب في ذلك يعود إلى أن الصورة العامة في تلك المجتمعات المعاصرة تنحصر في كون مهمة المدارس هي إعداد الطلبة للالتحاق بمؤسسات التعليم العالي وليس للالتحاق بسوق العمل، وذلك للعديد من الأسباب لعل من أبرزها ثلاثة رئيسية كالتالي: السبب الأول هو أن مؤسسات التعليم تتوقع من المدارس أن تقوم بإعداد الطلبة وتزويدهم بمهارات رئيسية أبرزها أسس البحث العلمي والتفكير المنطقي ومهارات التواصل، ولذا نشهد جدلاً مستمراً ومحتدماً حول شكاوى العديد من الجامعات من ضعف إعداد خريجي المدارس في تلك المهارات.
أما السبب الثاني فيتعلق بالمتعارف عليه من أن الرسالة الرئيسية للجامعات هي تسليح الطلبة الجامعيين بالعلم (المعرفة) والمهارات، وإن اختلفت جرعة كل منهما في المناهج الدراسية من جامعة إلى أخرى. وأخيراً ينحصر السبب الثالث في أن خريجي الجامعات هم الأوفر حظاً في الحصول على وظيفة بعائد مالي أكبر من تلك التي يتحصل عليها خريجو المدارس، وذلك لأن الخريج الجامعي عادة ما يتمتع بالنضج والقدرة على إدارة الوقت والتفكير المنطقي ومهارة حل المشكلات، مقارنة بخريج المدرسة في الغالب. وبالتالي فإن فرصة الحصول على وظيفة والاستمرار فيها لأطول فترة ممكنة هي لخريج الجامعة وليس لخريج المدرسة. ولذا نجد العديد من أصحاب الأعمال في مجالات حيوية وصناعية يركزون على اختيار ورعاية الطلبة الجامعيين المتميزين، وهم على مقاعد الدراسة ثم استقطابهم للعمل لديهم بعد التخرج.
وفي سبيل ذلك تلجأ العديد من جهات العمل في الدول المتقدمة إلى بسط نفوذها داخل الجامعات بهدف دمج معارف ومهارات محددة ضمن المناهج الدراسية كي لا تضطر تلك الجهات إلى بذل المال اللازم لإعداد وتأهيل الخريج فيما بعد. لكن يظل التساؤل الأبرز الناتج عن تلك العلاقة بين مؤسسات التعليم، مدارس كانت أم جامعات، وبين أصحاب الأعمال، يدور حول ماهية احتياجات سوق العمل وأولوياته، وهل هي المعرفة أم المهارات؟!
*باحث إماراتي