لا تزال الحكومة الإسرائيلية تتابع عن قرب ما يجري في إطار الاستعدادات الأميركية للحملة الانتخابية الرئاسية خاصة، بعد إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن عدم ترشحه، والتي تتبلور في سياقات محددة من خلال اكتمال المشهد في المستويين «الجمهوري» و«الديمقراطي» معاً، وبدء التعامل مع مستجدات فرضت نفسها على المشهد الانتخابي من الآن فصاعداً.

واقع جديد يتشكل، ويرتبط بالفعل بمقاربات سياسية على الجانبين، ووجود قوى وازنة خاصة بعد صعود المرشحيْن كامالا هاريس ودونالد ترامب، وبحملاتهما كمرشحيْن من الحزبين الرئيسيين يواجهان بمزيد من الضغوط الحقيقية، وهو ما يؤكده المشهد الانتخابي في مجمله، وقبل عدة أشهر من إجراء الانتخابات، وفي انتظار ما سيطرح في المناظرات المقبلة بين المرشحين، خاصة أن المنافسة «الديمقراطية» كامالا هاريس لم تحسم موقفها بعد من تمثيل الحزب في الاستحقاق الرئاسي، في ظل وجود منافسين داخل حزبها كحاكم كاليفورنيا، وحاكمة ميشيجان، وحاكم ولاية بنسلفانيا، وغيرهم.في هذا السياق تتعامل إسرائيل من خلال عدة مقاربات أهمها التركيز على الحدث الأبرز وهو استثمار لقاء الرئيس بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، والمرتبط بعدة أولويات ومهام ملحة للجانب الإسرائيلي، وتعبر عن الحاجات الإسرائيلية لدى الإدارة الأميركية الراهنة، والعمل على الحصول على قائمة تحفيزية كاملة من صفقتي (إف 15 وإف 35 )، والتي من المفترض أن تحصل عليها الحكومة الإسرائيلية على مدى 4- 5 سنوات، إضافة إلى شاحنات معطلة لاعتبارات أمنية في ظل المطالبة الأميركية بحسن استخدامها في مسرح العمليات.

وفي المقابل، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو سيكون في تقديره عدم إعطاء الفرصة لتحقيق تقدم في إطار ما يجري من ترتيبات متعلقة بخطة الهدنة في غزة، وإنْ كان في تقييمه إمكانية إتمامها في المرحلة الأولى على الأقل، وبما قد يعمل على فتح مساحة من التعامل المستجد مع إدارة أميركية ترى أن الحكومة الإسرائيلية لا تريد أن تُقدم على خطة هيكلية حقيقية في الوقت الراهن مع إمعانها في استخدام القوة المنهجية في قطاع غزة، وصولاً إلى تحقيق أهدافها بصورة لافتة وكبيرة.

في هذا السياق تتابع الحكومة الإسرائيلية ما يجري في الداخل الأميركي، انطلاقاً من قدرة «إيباك» كبرى المنظمات اليهودية في واشنطن على التعامل، أو محاولة نقل رسالة إلى الكونجرس ومجلس الشيوخ، مفادها أن إسرائيل تعمل على مخاطبة الرأي العام الأميركي، وتكثيف التحالف الأمني والاستراتيجي، والتفاعل مع مؤسساته بهدف الحصول على دعم سياسي وإعلامي كبير قد يؤثر في مسار ما يجري في إطار المعركة الانتخابية، وفي ظل أية خيارات متوقعة داخل الحزبين، ومع استحضار الرئيس ترامب لضوابط انتخابية جديدة بهدف الإمساك بقواعد إدارة المعركة الانتخابية.

وقبل أشهر محدودة من موعد إجراء الانتخابات الرئاسية، هناك ما يؤكد أن الداخل الإسرائيلي والمنظمات اليهودية في الولايات المتحدة وخارجها تعمل في مساحة من المناورات السياسية ، وعلى مختلف الشرائح التي يمكن من خلالها توجيه الخطاب الإعلامي والسياسي لها في ظل ما قد يطرأ من متغيرات حقيقية تعبر عن وجودها السياسي والحزبي، وفي ظل مناخ جيد تتشكل فيه قواعد جديدة في المعركة الانتخابية الراهنة بعد تنحي الرئيس بايدن عن المعركة الانتخابية وحدوث متغيرات حقيقية داخل الحزبين.ستظل الحكومة الإسرائيلية تسعى للعمل في نطاقات استراتيجية وسياسية مع الإدارة الأميركية، انطلاقاً من أن الإدارة الراهنة قد ترحل، وأن الأمر حُسم لصالح الرئيس السابق دونالد ترامب، وهو أمر تروج له وسائل الإعلام الأميركية التي تعمل لصالح مرشح الحزب «الجمهوري» الرئيس السابق ترامب ، وهو ما لا تراهن على تفاصيله إسرائيل في ظل مخاوف قائمة بتبدل المزاج الأميركي، والوقوع في شراك استطلاعات الرأي العام المتقلبة، والتي تخلو من مؤشرات حقيقية، واتجاهات متماسكة والحديث عن احتمالات الذهاب إلي البحث عن مرشح ثالث مستقل أو إخراج الرئيس السابق ترامب من حلبة المنافسة، وتدخل المؤسسات الفيدرالية الكبيرة لإدارة الأمر، والعمل في سياقات أخرى متعلقة بإدارة المشهد الانتخابي بأكمله، وهو أمر قد يواجه بتحولات سياسية وحزبية داخل الحزبين، الأمر الذي قد يؤدي إلي نتائج مختلفة على عكس ما يجري من أولويات، أو مهام قد يكون لها أدواتها في الفترة المقبلة.

يمكن التأكيد إذن على أن المشهد الانتخابي العام في الولايات المتحدة سيكون في مرمى التحركات الإسرائيلية في الفترة المقبلة، وبما يعطي دلالات لما يمكن أن يجري من أولويات معينة قد تعبر عن نفسها في المدى المتوسط، وربما تعلن عن نفسها قبل جراء الانتخابات الرئاسية على اعتبار أن إسرائيل لا تتعامل مع رئيس أي كان توجهه، بل مع مؤسسات لا تقتصر على الكونجرس أو مجلس الشيوخ، وإنما أيضاً مراكز تأثير ونفوذ كبرى، ومجموعة من قوي الضغط، ومراكز القوى المناوئة التي تشكل إطاراً كبيراً لتحدي السياسات الإسرائيلية في واشنطن، ولهذا تعمل «أيباك» على مواجهة ما يجري من خلال تحييد أية تأثيرات سلبية على المصالح الأميركية المشتركة، والحفاظ على خصوصية العلاقات تحت أي ظروف معلنة، يمكن أن تعلن عن حضورها في أي تطورات تمس جوهر العلاقات الأميركية الإسرائيلية.

*أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية.