يواكب العام 2024 احتفاءَ دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية الصين الشعبية بمرور 40 عاماً على تدشين علاقاتهما الدبلوماسية، وسط تطلعات متبادلة نحو الاستمرار في تقديم نموذج فريد لشراكة استراتيجية قوية ومستدامة، تم إطلاقها منذ عام 2012.

ويعود تدشين العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين إلى عام 1984 حيث شهد شهر أبريل من العام التالي افتتاح سفارة الصين في أبوظبي فيما افتتحت الصين قنصليتَها في دبي في نوفمبر عام 1988، وفي المقابل جرى افتتاح السفارة الإماراتية في بكين في مارس عام 1987، فيما افتتحت قنصلية الدولة في هونغ كونغ في أبريل من عام 2000، وقنصلية الدولة في شنغهاي في يوليو 2009، وأخرى في غوانجو في يونيو 2016. وتعود بداية العلاقات بين الدولتين إلى تأسيس اتحاد الإمارات عام 1971، إذ كانت الصين في طليعة الدول التي اعترفت بدولة الإمارات، ومنذ تبادلهما التمثيل الدبلوماسي اتخذت علاقاتهما اتجاهاً تصاعدياً، وذلك انطلاقاً من مبادئ: التعاون، والاحترام، والتسامح، والانفتاح على الثقافات المختلفة، والمنفعة المتبادلة.

وتمتلك الدولتان محفزات قوية لتنمية شراكتهما؛ فالصين أكبر سوق وأكبر مُصدّر عالمي، ويعد اقتصادها أحد أسرع اقتصادات العالم نمواً، فيما تشهد دولة الإمارات نمواً اقتصادياً قوياً وازدهاراً متسارعاً (ثاني أكبر اقتصاد عربي، بناتج محلي إجمالي يبلغ 1.8 تريليون درهم). كما أنها أحد أفضل بيئات الأعمال تنافسية (حصلت الإمارات عام 2023 على المركز الأول عالمياً في 215 مؤشراً تنافسياً)، ما يجعلها محوراً جاذباً للشركات الصينية (بلغ عدد العلامات التجارية الصينية المسجلة بالإمارات نحو 6591 علامة).

كما تُعدُّ دولة الإمارات أحد أهم معابر التجارة الصينية، إذ يمر حوالي 60% من تجارتها عبر موانئ الإمارات إلى نحو 400 مدينة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو أمر زادت أهميته بعد إطلاق مبادرة الحزام والطريق (2013)، التي تعد الإمارات أحد شركائها الفاعلين (ضخت الإمارات 10 مليارات دولار في صندوق استثمار صيني إماراتي لدعم مشروعات المبادرة في شرق أفريقيا). وكان ذلك أبرز دوافع الصين لدعم انضمام الإمارات إلى تجمع «بريكس» (أغسطس 2023).

وتعكس الكثيرُ من الإحصائيات العلاقاتِ القويةَ التي تجمع بين الإمارات والصين، إذ ترتبط الدولتان بنحو 148 اتفاقية ثنائية ومذكرة تفاهم في شتي المجالات، وتتصدر الصين قائمة أكبر أسواق الواردات لدولة الإمارات (18%)، وهي الثالثة كأكبر مصدر لتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر للإمارات (7.7 مليار دولار/2023)، وشريكها التجاري الأول عالمياً خارج قطاع النفط (بلغ حجم تجارتهما غير النفطية 81 مليار دولار عام 2023). وفي المقابل تتصدر دولة الإمارات الشركاء التجاريين للصين عربياً خارج قطاع النفط (30% من التجارة الصينية-العربية عام 2023).

ولم تتوقف طموحات الدولتين لتنمية شراكتهما، فخلال اجتماعات الدورة الثامنة للجنة الاقتصادية والتجارية والفنية المشتركة (فبراير 2024)، اتفقتا على تعزيز تعاونهما في القطاعات غير التقليدية (الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي، والطاقة المتجددة)، ما يعزز سعيهما للوصول بحجم تجارتهما البينية إلى 200 مليار دولار بحلول 2030.

ويحظى الجانب الثقافي، باهتمام كبير في علاقات التعاون المشترك بين الدولتين، وقد أسهم مركز الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لدراسة اللغة العربية والدراسات الإسلامية، الذي تأسس عام 1990، بجامعة الدراسات الإسلامية في بكين، في نشر الثقافة العربية في الصين، كما تم تدشين مشروع تدريس اللغة الصينية في مئتي مدرسة بدولة الإمارات، ما يجسّد الحرص المشترك على تعزيز التواصل الحضاري.

في خضم هذا الزخم، لم تتوقف المشاورات السياسية والزيارات المتبادلة، وآخرها زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، إلى بكين (مايو 2024)، حيث بحث مع الرئيس الصيني شي جين بينغ سبل ترسيخ الشراكة الاستراتيجية.

وفي جميع الأحوال، فإن ما تحقق من إنجازات على صعيد الشراكة الإماراتية الصينية يمثل حافزاً لمضاعفة الجهد من أجل استمرار الارتقاء بالعلاقات الثنائية نحو آفاق غير مسبوقة، بما يعود بالنفع على الجانبين، ويدعم تطلعاتهما المشتركة نحو تعزيز واستدامة هذه الشراكة.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.